كورونا .. رسائل الله إلى الأمم

 

بين حالات الحذر التي نعيشها يستمر فايروس كورونا بالانتشار غير مستثنٍ لأحدٍ، وقد زادت نسبة الإصابة به عن المائة دولة حتى بات وباءً عالمياً ولم يبق أحداً بمأمن منه، ولم يكن هذا الوباء، البلاء الأول الذي يصيب البشر في الزمن الراهن، فقد سبقته أوبئة على مدار السنين السالفة، كسنة إلهية جرت وتنوعت في أسباب نزولها، فكانت بين خسف أو صاعقة أو غرق أو ريح أو مجاعة، تنزل على الأقوام التي لم تؤمن بالنبي المرسل إليها كعقوبة إلهية.

كما لم تكن السنين الماضية والقريبة من زمننا هذا بمنأى عن الابتلاءات التي تحمل في طياتها مجموعة رسائل إلهية إلى الشعوب فقد أصيب الناس في وباء الانفلونزا الاسبانية عام 1918 وتسبب بوفاة الملايين خلال عدة أشهر، وكذلك وباء إيبولا في عام 2014، وغيرها من الأوبئة التي شهدها عامنا هذا بفايروس كورونا والذي سنبين كيفية الوقاية منه روحياً وجسدياً بعد فهم مجموعة من الرسائل الإلهية الموجهة إلينا عن طريق هذا الوباء والتي منها:

  • التحدي والتأديب للظالم :

عن طريق بيان قوة الله وقدرته لأولئك المستكبرين والطغاة بالعالم، ليريهم الله تعالى قدرته ويذلهم بعد تكبرهم، خاصة بعد أن وصلوا إلى مرحلة لسان حالهم يقول نحن ربكم الأعلى، فهم ينظرون إلى أنفسهم بأنهم المتحكمين في هذا العالم بكل مفاصلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، فأذلهم الله تعالى عن طريق هذا الوباء الذي وقفوا أمامه عاجزين عن فعل أي شيء! وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال :”الكبر رداء الله، والمتكبر ينازع الله رداءه”، ولم يسعفهم التقدم العلمي والتطور الطبي في ذلك، ولذلك فإن هذا الوباء هو تحدّ وأدب للظالم على حد تعبير الإمام علي عليه السلام: “إن البلاء للظالم أدب، …”.

  • رسالة اجتماعية :

أن هذا الوباء لهو خير اختبار يتضح من خلاله حالات الناس تجاه بعضهم البعض من حيث التراحم فيما بينهم والتعاون أو الاستغلال والجشع والاحتكار.

  • رسالة دينية :

إن هذا الوباء سيوضح مدى إيمان الناس فمنهم من هو معاند لا يلجأ لله ولا يتضرع له حال البلاء وهو من الذين عبّر عنهم القرآن الكريم بقوله: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}، ومنهم من يلتجئ لله وقت البلاء فقط وعبر عنهم تعالى بقوله: {وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً}، ومنهم من يزيده البلاء صبراً وإيماناً لأنه قد سلّم أمره بيد الله تعالى مع أخذ الاحتياطات الوقائية، لأنه يدرك إن البلاء النازل على المؤمنين هو من قبيل صعود الفرد في درجات أعلى؛ فيصبر عليه ليكون مصداقاً لقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.

  • رسالة عقائدية :

إن وباء كورونا أعطى درساً للمجتمعات غير المسلمة مفاده ان الابتلاءات تجعل المجتمعات تتجه نحو ظلام يقل نوره بالتدريج، ليصل إلى الظلام الدامس والذي معه لا تستطيع الدول بكل إمكانياتها ان ترفعه، فيقف الجميع عاجزا عن إيجاد الحلول لها ليتجهون إلى فكرة المنقذ من هذه الأزمات الأمر الذي يهيئ الناس بمختلف أديانهم واتجاهاتهم الفكرية إلى السعي وراء بصيص أمل فتنقاد تلك الآمال لفكرة المنقذ والمخلص لحل هذه المشكلة الوبائية الخانقة، مما تقع ضمن نطاق التمهيد الإلهي العالمي

لاستقبال فكرة منقذ البشرية الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه.
أما المجتمع المسلم والمؤمن، فإن الابتلاءات التي يمر بها سواء أكانت الوبائية أم السياسية أو الاجتماعية يزيد من لجوئهم إلى الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، والدعاء بتعجيل فرجه خاصة وإننا نعيش في زمن الغيبة الكبرى والذي من المرتقب أن يظهر فيه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في أي لحظة .
وبعد فهم تلك الرسائل نفهم بأن مواجهة هذا الوباء يتم بعد عمل عدة أمور:

  • الرجوع الى الله تعالى :

من قبيل توبة المذنبين والغافلين واستشعار قوة الله وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن لأن للذنوب آثاراً، كما بين ذلك النبي الكريم صلّى الله عليه وآله بقوله :”لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا”، وهذا الحديث يعني أن انتشار الوباء يدل على شيوع الفاحشة كالزنا وما شابهه من شذوذ جنسي وغيره، فضلاً عن تفعيل دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد استنكار الباطل والظلم والفساد والوقوف ضده وبالشكل الذي يتناسب مع المصلحة العامة.

  • التوسل بأهل البيت عليهم السلام :

عندما يشتدّ البلاء يجب أن يشتدّ تعلقنا وتوسلنا بالأئمة المعصومين، لأننا ينبغي علينا خلال فترة البلاء أن نقوي علاقتنا بأهل البيت، عليهم السلام، وترسيح تلك العقيدة بوصفهم المنجين لنا وباب استجابة الدعاء والرحمة، وليس الاعتماد عليهم بجهل مغرور من دون الاخذ بنظر الاعتبار الجانب الوقائي والأسباب الطبية، فالوقاية مطلوبة بكل تأكيد.

  • التراحم فيما بيننا :

بأن لا نشمت بمصاب ومتوفى أفراداً ومجتمعات وأن لا نستغل بيع المعقمات بل مساعدة بعضنا للآخر حسب الاستطاعة، ونترك الجشع والطمع بل أن يكون هم الجميع هو كيفية اجتياز الأزمة فليس هناك صك لأحدنا بالنجاة من هذا الوباء وعليه لا بد أن تكون الرسالة للجميع بالتراحم فيما بيننا.

  • العمل بالتعليمات الصحية :

إن العمل بالأسباب لا ينافي التوكل على الله تعالى ولا التسليم له بل من الأمور الواجبة في أخذ الحيطة والحذر، من قبيل التعقيم وغيرها من الإرشادات التي مع اتباعها نجنب أنفسنا الإصابة بالوباء.

ومن هنا علينا أن أن نقوي مناعتنا المعنوية والروحية التي محورها الإيمان بالله تعالى عن طريق ذكره وهو القائل جل وعلا :{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}، ونقوي مناعتنا الإيمانية باتصالنا بأهل البيت ،عليهم السلام وزيارتهم وندبتهم والتوسل بهم في ظل رعاية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه لنا وهو القائل: “إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حم أجله، ويحمى عليه من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا، والله متم نوره ولو كره المشركون”، كما نقوي مناعتنا الجسدية وأن نعمل بالإرشادات الصحية في الوقاية من هذا المرض.

تعليقات