كيف نتخلص من ظاهرة النفاق الاجتماعي؟

* ضياء العيداني

لم يكن النفاق وليداً في عصرنا الحالي، فقد بدأت ملامح النفاق في الدولة الإسلامية مع الهجرة النبوية إلى المدينة، وبعد أن قويت شوكة المسلمين الذين كانوا مشردين في مكة المكرمة، عندها لجأت شريحة من المجتمع الاسلامي الجديد في المدينة لإعلان إسلامهم وإضمار الشرك والكفر في قلوبهم بدوافع مختلفة منها؛ الخوف، والطمع بالحصول على المناصب لما آل إليه الإسلام من عزة وشرف الحكم، فنزلت سورة المنافقون حينها وهي تتحدث عن صفاتِ المنافقين، مما يدل على ظهور هذه الفئة ومدى خطورتهم الكبيرة.

والمنافق هو شخص يظهر خلاف ما يُبطن، فهو يكذب ويداهن ويتملق ويرائي ويخون، وينقسم النفاق إلى نفاق في العقيدة، إذ يضمر الكفر ويعلن الإسلام، ونفاق سياسي ونفاق متعلق بالعلاقات الاجتماعية، وهو ما يهمنا في هذا المقال، والذي يطلق عليه النفاق الاجتماعي الذي سنقف على أسبابه والعوامل المساعدة على انتشاره وظهوره كما نتطرق إلى كيفية علاجه.

فالنفاق الاجتماعي يتمثل بإظهار الود والكلام المعسول لشخص ما ومدحه خلافاً لما يراه الشخص المنافق في داخله تجاه ذلك الشخص طمعاً فيه أو لتحقيق هدف ما يسعى إليه الشخص المنافق، أو من أجل مصلحة ذاتية يغلّبها ولو على حساب المصلحة العامة، ضارباً بالمعايير الأخلاقية والمبادئ والقيم عرض الحائط، مستعيناً بالكذب تارة، وبالرياء تارة أخرى، فميزان النفاق الاجتماعي هو الحب والبغض، فترى المنافق يظهر الحب بينما يُبطن البغض، و تراه يمدح العاصي ويشجعه، ويمدح الظالم ويتردد عليه، بل و يزيّن له أفعاله!
وانتشار هؤلاء المنافقين جعل منهم ظاهرة اجتماعية لها آثار سلبية كثيرة؛ خاصة مع اتساع دائرة أدوات المنافقين فأخذوا يطلّون علينا من خلال السوشل ميديا من فيسبوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من أن كل تقنية مفيدة اذا ما استخدمت بالشكل الصحيح، بيد أن المشكلة تكمن بالأشخاص الذين يستخدمونه ففي كثير من الحالات يظهر الشخص في مواقع التواصل الاجتماعي بشخصيات وهمية مثالية تخفي خلفها شخصية متدنية تهدف للوصول إلى غايات خاصة، لأن من السهل في هذه المواقع ارتداء قناع مزيف، وممارسة النفاق فيه.




ما هي أسباب النفاق الاجتماعي؟

1- العلاقات الاجتماعية القائمة على المنفعة
إن أحد أدوار الأسرة تجاه الابن؛ تنشئته ضد النفاق الاجتماعي وذلك عن طريق التنشئة الاجتماعية السليمة في تعليمهم كيفية التعامل مع الأشخاص بصدق المشاعر والكلام الطيب والأخلاق الحسنة مع من نحمل لهم انطباعاً سليماً، بل نعلمهم بأن هناك من يحتاج الكلمة الطيبة والتشجيع بذكر محاسنه ودعمه معنوياً، ولكن؛ من غير غاية ما، وهذا ما يفرق بين المجاملة السليمة والكلام الطيب والمداراة في التعامل مع الناس، وبين النفاق الاجتماعي المبني على الكذب والمبالغة في محاسن غير موجودة في الشخص لغرض ما، فالصدق في المشاعر والنوايا هو الفاصل الرئيسي في ذلك، كما ينبغي تعليمهم تجنب التملّق المصحوب بإظهار الود المبالغ به، والذي يقترن بالتصاغر أحياناً. قال النبي محمد، صلى الله عليه وآله: “ليس من أخلاق المؤمن المَلَق إلّا في طلب العلم”، ونرسخ ذلك بسلوكنا أمامهم فعندما نذم شخصاً بغيابه ونمتدحه بحضوره سيرسخ هذا السلوك عند الابن ليسلكه هو الآخر.
2- الطباع السيئة
ومنها؛ الجبن، و الطمع؛ فالمنافق شخصٌ جبان ليس له الشجاعة على بيان موقفه وقناعاته تجاه سلوكيات الآخرين، بل يسلك العكس تماماً فتراه يمتدحهم على أفعالهم غير الصحيحة، وربما برر سلوكهم الخاطئ، وكذلك الطمع و حب الجاه والمال والسلطة. قال النبي، صلى الله عليه وآله: “حب المال والجاه ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل”، لأنه يحوج إلى الامراء ومراعاتهم ومراءاتهم سعياً للحصول على المطامع.
3- العقد النفسية
من وجهة نظر علم النفس الذي يرى علماؤه بأن النفاق الاجتماعي عبارة عن حيل دفاعية يستخدمها الناس ليحموا بها انفسهم بسبب عوامل كثيرة أهمها الشعور بالدونية والنقص وعقدة احتقار الذات، فنراه يخاف من احتقار الآخرين له، لذا يمتدح كل من يراه ليضع انطباعاً سليماً عن نفسه أمام الجميع خشية النقد، فيسعى لزيادة دائرة محبيه بلسان جميل و وجه أجمل مزيفَين لا حقيقة لهما في أصل مشاعره.

العوامل المساعدة في نمو ظاهرة النفاق الاجتماعي

العامل الاجتماعي:
يكثر النفاق في المجتمعات الانفعالية ممن لا يمتلك افرادها الثقافة عند الأغلب، فيصبح من اليسر خداعهم، فيستغل المنافق هذه السذاجة ويعدّها بيئة خصبة لظهوره، فيبدأ بالتظاهر الجميل ويطلق وعوده الكاذبة طمعاً لتسنّم المناصب الخدمية في مؤسسات الدولة من خلال الانتخابات، فيتحول هذا الأسلوب الشاذ ليصبح قاعدة في خداع الناس للوصول إلى المناصب، وهكذا ينشط المنافقون، ويسلك طريقهم الفاشلون، فتنمو ظاهرة النفاق الاجتماعي شيئاً فشيئاً عن طريق التفاف المنافقين في المجتمع حول ذلك الشخص الذي وصل الى المنصب مستغلاً عدم وعي الجماهير وسذاجتهم، ولو كان المجتمع بوعي معتد به، لما كان هناك مكان لنمو المنافقين.

النظام الإداري:
إن النظام الإداري في الدولة الذي لا يعتمد الكفاءة والنزاهة في المناصب الخدمية، تمثل سبباً في نمو ظاهرة النفاق في المجتمع من خلال اختيار ذوي المناصب على أساس الولاء والتملّق، لا على أساس الكفاءة والنزاهة، فيكون ولاء صاحب المنصب لهذا الحزب أو ذاك، ممن كانت لهم اليد الطولى في إيصاله الى مكتب المدير او الوزير، فهو لا يهمه من ولائه لهم والتملق لهم، سوى أن يوصلوه إلى ما يطمع فيه من الامتيازات والاموال.
هذه الشريحة تحديداً هي المسؤولة بالدرجة الاولى عن انتشار الفساد الإداري بشكل سرطاني في مؤسسات الدولة، لأن ما يهمها؛ المصلحة الشخصية والحزبية فقط، فنراهم يهلكون الحرث والنسل، ويتسلطون ويتكبرون، ولا يستمعون إلى النصيحة، ولا إلى صيحات المطالبة بالإصلاح المنبثقة من حناجر الخيّرين من ابناء المجتمع، كما عبر عن ذلك البارئ -عز وجل- بقوله: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}. (سورة البقرة، الآيات:204-206)

كيفية التخلص من ظاهرة النفاق

وذلك عن طريق عدة أمور منها؛ التنشئة الاجتماعية السليمة من خلال الأسرة، وبيان أسس تعاملهم عن طريق المشاعر الصادقة مع الآخرين، وايضاً بالتثقيف الجماهيري، والوعي لهذه الظاهرة السلبية ونبذها جملة وتفصيلاً، والتعامل مع المنافقين بذكاء انفعالي اجتماعي عن طريق إعطاء إشارات للشخص المنافق بأنه بات معروفاً، ولا تريد تقوية العلاقة معه بطريقة أو بأخرى.
كما يجب تعبئة النظام الإداري نحو النزاهة حتى يكون الطريق الوحيد لتسنم المناصب هو الكفاءة والإخلاص، لا المحسوبيات، وبذلك نقطع الطريق على كل منافق يسيل لعابه على المناصب، وفي الوقت ذاته، ينبغي على افراد المجتمع الانتباه الى انفسهم والحذر من مغبة الانزلاق في متاهات النفاق والاصابة بالأمراض النفسية المؤدية الى هذه الحالة، من مشاعر الضعة والدونية وغيرها.
كما ينبغي أن يعلم الجميع المذمّة الناتجة عن هذا السلوك، فقد ورد عن النبي، صلّى الله عليه وآله: “مَنْ كان له وجهان في الدنيا، كان له لسانان من نار يوم القيامة”، وقال الإمام الباقر، عليه السّلام: “لبئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري اخاه شاهداً ويأكله غائباً، إن أُعطي حسده، وان ابتلي خذله”.
ومن هنا نعلم بأن النفاق الاجتماعي رفيق الفاشلين غير الكفوئين، والجُبناء الذين ليس لديهم شجاعة، ومن فقد ثقته بنفسه ممن يعانون من عقدة نقص، والشعور بالدونية فيحملون معهم تلك التراكمات فيكونون بشخصيات غير سوية ذات لسانين ووجهين، ونتائجه بأن تتدمر البلاد وتتأخر الخدمات وتكثر المشاعر المزيفة، وتقل الثقة بين أفراد المجتمع، ويقل الإخلاص، لذا فالخلاص من هذه الظاهرة أمر لا بد منه بالرجوع إلى كتاب الله –تعالى- والى سيرة المعصومين، عليهم السلام، وإلى الأساليب التربوية السليمة.

.......
منشور في مجلة الهدى الإسلامية


تعليقات

إرسال تعليق