الآثار الإيجابية وراء البلاءات على أهل العراق؟

 


بين الحروب والقتل والدمار والإرهاب، وبين التسلط والجبروت والظلم، وبين تكالب الأعداء، يتكرر المشهد بين الفينة والأخرى باختلاف الموضوع، فبين فقير تراه يفترش الأرض ملاذا، وبين مريض يصارع ألم الداء فقراً، وبين حكام سرقوا أموال الشعب جوراً، يعيش أبناء الشعب العراقي تحت وطأة هذه الأحداث، حتى سرقَ الأسى الابتسامة من شفاهم.

ولم تكن تلك الأحداث بمنأى عن تنبؤات أئمة أهل البيت، عليهم السلام، لها والذين بينوا بأنه سيكون العراق ساحة لحوادث جمّة من نقص بالأموال والأنفس وقتل وفقر وحرمان وغيرها من الابتلاءات.
لذلك ثمة سؤال يتكرر كثيراً، وخاصة في السنين الأخيرة مع تزايد القتل والظلم والجور؛ لماذا كل هذا البلاء على أهل العراق؟
ولكي نجيب على هذا التساؤل، علينا فهم الغاية من البلاء والذي سيتضح بعضها من النقاط اللاحقة:

  • النقطة الأولى: بلاء تكريم

هناك مؤمنون مخلصون يشكلون جزءاً من هذا المجتمع، والبلاء عليهم سيكون لتكريمهم، فقد روي عن الإمام الصادق، عليه السلام، قوله: “بنا يبدأ البلاء ثم بكم وبنا يبدأ الرخاء ثم بكم“، وعن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: “ما أكرم الله رجلاً إلا زاد عليه البلاء“، وقالَ الإمامُ موسى بن جعفر الكاظم، عليه السلام: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ كَفَّتَيِ الْمِيزَانِ، كُلَّمَا زِيدَ فِي إِيمَانِهِ زِيدَ فِي بَلَائِهِ“، لذا فإن هذا البلاء هو من باب المحبة للمؤمنين لرفع درجاتهم اكثر، وهؤلاء وإن كانوا قلّة في المجتمع ولكنهم موجودون.

  • النقطة الثانية: بلاء تأديب

والذي يشمل عباد الله الذين خلطوا عملاً سيئاً مع عملهم الصالح، فهؤلاء يشملهم البلاء لكي يرجعوا لجادة الصواب، وهؤلاء يمثلون نسبة كبيرة بالمجتمع العراقي لذا سيتوجه اليهم اللوم والحساب والعتاب أكثر من غيرهم، لأنهم يسيرون على نهج الله وأنبيائه وأئمته، قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “ان البلاء اسرع الى شيعتنا من السيل الى قرار الوادي”، وعنه، عليه السلام: “أن الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكر متذكر ويزدجر مزدجر”، و عن الامام الصادق، عليه السلام: “إن العبد إذا كثرت ذنوبه ولم يكن عنده ما يكفّر به، ابتلاه الله بالحزن ليكفّر عنه ذنوبه، فإن فعل به، وإلا عذبه في قبره ليلقاه -عز وجل- وليس عليه شيء يشهد عليه”.

ورب سائل يسأل لماذا بلاء التأديب أصبح أكثر على الشعب العراقي من غيرهم؟
الاجابة تكون بعد معرفة ما خصّه الله –تعالى- لهذا الشعب من امتيازات قلّ مثيلها عند غيرهم، لذا نراهم يكونون الأكثر عتباً من غيرهم، ولأن الفرد أو الأمة التي تكون في اهتمام وجهد من قبل المصلحين، يكون عذابهم أشد وأسرع لأنهم من المفترض أن يكونوا بمستوى يتناسب مع ما يبذله المصلحون في سبيل هدايتهم؛ إيماناً وصلاحاً، فإن هبط ذلك المستوى تعرضوا للبلاء لكي يرجعوا إلى الله ويرفعوا من تكاملهم الديني لمسؤولية كبيرة تقع على عاتقهم ضمن تخطيط الله –تعالى-.
والدليل على العناية الإلهية بهذا الشعب، أن خصّهم برعاية أئمة أهل البيت، عليهم السلام، وبتلك الجهود لرفع مستواهم الديني والأخلاقي، كما حصل مع اختيار أمير المؤمنين، عليه السلام، الحكم في العراق واتّخاذه الكوفة عاصمة لحكمه، وقد تنعّم أهل العراق في ظلّ حكمه فأثمر ذلك عن انتشار الأفكار الإسلاميّة الأصيلة على أيدي أتباع أمير المؤمنين عليه السّلام وشيعته.
ومن بعده، الإمام الحسن، عليه السلام، وبقاءه في الكوفة في بداية حكمه من بعد أبيه، ثم توجه الإمام الحسين، عليهم السلام لها، وما شهدته هذه البقعة من ثورات و حركات إصلاحية بعد واقعة عاشوراء حتى ترسّخت جذور التشيّع في قلوب شيعة العراق، إلى درجة عجز معها الحجّاج بن يوسف الثقفي ـ بالرغم من قسوته الشديدة ـ عن صرف الناس عن موالاة أمير المؤمنين، عليه السّلام، لذلك اتخذ العباسيون العراق مركزاً لدولتهم، فكان أهل العراق أول تحدٍ خطير لهم فبقوا عصيين عليهم بفضل استمرار اهتمام الأئمة، صلوات الله عليهم، وكذلك توجه الإمام الصادق للتدريس في العراق في بداية الحكم العباسي، فقد ألقى رحله في الكوفة مدة سنتين، فازدلفت إليه الشيعة من كل فج زرافات تتلقى منه العلم، وترتوي من منهله العذب، و تروي عنه الأحاديث في مختلف العلوم، والتي استفاد منه جمع من العلماء من الموالين وغيرهم، حتى ان أبا حنيفة كان يفتخر و يقول بأفصح لسان: “لولا السنتان لهلك النعمان”، يريد السنتين اللتين صحب فيها الإمام جعفر الصادق، عليه السَّلام، وكذلك توجه الإمام الرضا، عليه السلام، الى البصرة، وعقد مؤتمراً عاماً ضمّ جمعاً من المسلمين وغير المسلمين للإعلان عن إمامته، وإبطال شبهة المنحرفين عن الحق، وكذلك سفره إلى الكوفة لنفس السبب.

وكذلك تواجد باقي الأئمة بالعراق، وإن كان بضغط من السلطات، ولكنه يدخل ضمن المخطط الإلهي، كما حصل بالنسبة للإمام الكاظم، والامام الجواد، والامام الهادي، والامام العسكري، والامام المهدي المنتظر، صلوات الله عليهم أجمعين، بل حتى في زمن الغيبة نرى اختيار الإمام المهدي لسفرائه الأربعة من داخل العراق، وكذلك عناية الله بأن تكون قوة الحوزات العلمية في هذا البلد، وبزوغ علماء ثقاة وذوي علم منقطع النظير كأمثال الشيخ المفيد، والذي تم تأييده من الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، والشريف الرضيّ، والشريف المرتضى، ومن بعدهم الشيخ الطوسيّ، ومن جاء بعدهم، ثم تطور مسيرة الحوزة العلمية من بغداد الى الحلّة، ثم الى النجف الأشرف، وكربلاء المقدسة، والتي أسهمت بدور والأثر الكبيرين في الحفاظ على قاعدة أهل البيت عليهم السلام في هذا البلد العظيم، ولهذا فلا يمكن لهذا التعب والجهد أن يذهب سدى مع تقادم الأجيال! وبهذا سيكون أهل العراق هم الأكثر تعرضاً للبلاء.

  • النقطة الثالثة: التمحيص والتمييز

إن البلاءات تميز الخبيث من الطيب، وإن تعدد الاختبارات بالبلاء سيؤدي إلى نجاح البعض وفشل آخرين، وليس هذا فحسب، بل إن المؤمن العراقي المخلص الذي صبر وتجاوز المحن و وقف ضد الظلم والفساد، سيكون أكثر صلابة، وفي البلاءات التي تسبق ظهور الإمام المهدي، عجل الله تعالى فرجه، سيكون أكثر استعداداً لنصرته، ومن هنا نالوا مدح أئمة أهل البيت، عليهم السلام، كقول أمير المؤمنين، عليه السلام، مخاطباً أهل العراق: “انتم الانصار على الحق والاخوان في الدين والجنن يوم البأس والباطنة دون الناس بكم اضرب المدبر وارجو طاعة المقبل“، وقال الامام الصادق في مدحهم: “و اهل كوفة أوتادنا واهل هذا السواد منا ونحن منهم“، ولهذا سيكونون خير ناصر للإمام المهدي، عجل الله تعالى فرجه، وهذا شرف الغايات بأن تكون مسؤولية أكثر هذا الشعب في نصرة الإمام المهدي، عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويكون العراق الدولة التي ستنطلق منه دولته العالمية العادلة، وسيكونون الأكثر فرحاً بمهدي الأمم، فعن الإمام الصادق، عليه السلام: “اكثر الناس فرحآ بظهور الإمام الحجه هم أهل العراق. قيل لماذا يابن رسول الله؟ قال: لما يصيبهم في ولايتنا وتكالب الامم عليهم“.
فهنيئاً لكل من صبر على البلاءات ولم يجزع.

تعليقات