شهر رمضان وسيكولوجية الإرادة


السوشل ميديا أنموذجاً

ضياء العيداني


كل منا لا بد وأن تناول أطراف الحديث يوماً مع شخص غارق في المحرمات أو العادات السيئة والأخطاء وعندما نسأله عن سبب ذلك يجيبنا بأن شيطانه قوي!! والحقيقة ليس كذلك بل أن إرادته ضعيفة. كما أن كل واحد فينا عنده أمنية في التغيير دائماً نحو الأفضل على جميع المستويات ومنها التغييرات في سلوكه، وتبقى أكثرها مجرد أمنيات والسبب هو أن التغيير لا يتحقق إلا بتقوية الإرادة.
والإرادة هي إحدى الاستعدادات التي يجب أن تنمى في الإنسان، والتي نحتاج إليها مثلما يحتاج المريض الدواء، والجائع إلى طعام فلو ضعفت أصبح صاحبها مطية لنفسه الأمارة بالسوء ولوساوس الشيطان ولآراء من حوله وسلوكهم غير المحبوب ويسهل قيادته إلى أي طريق، ويصبح مرتعاً للشيطان ويستمر على الخطأ حتى ولو ميزه عقله ونبهه ضميره! أما إذا قويت سوف يكون الشخص أكثر ورعاً من غيره، وأكثر قدرة في الإقلاع عن العادات السيئة ويكون كالبيت المحكم لا يستطيع السارق دخوله بسهولة.
وتقوى هذه الإرادة وتضعف حسب الأشخاص ولقوتها مجموعة من الوسائل وأفضلها هو الصيام في شهر رمضان بالامتناع عن المحرمات والمباحات من أكل وشرب وجماع فضلاً عن صيام باقي الحواس عن النظر الحرام واللسان عن الغيبة والكذب وغيرها، فمن تدرَّب على أن يمتنع- باختياره - عن شهواته وملذاته، ويصرُّ على الامتناع عنها فلا بد أن تصغر أمامه الأهواء والعادات، ويشعر بالنصر عليها، وتقوى إرادته في باقي الأيام، لأنه ينمي صفة الصبر الذي يتجلى واضحاً لفترة شهر كامل في رمضان الخير.
وبهذا فإن شهر رمضان هو بروتين الإرادة المقوي لها لتساعد الفرد في باقي الشهور على التغيير نحو الأفضل، لا أن يبقى التغيير مجرد أمنية عالقة في أذهاننا!.
ولا يقتصر الصوم في شهر رمضان والصبر فيه على تقوية إرادتنا في الابتعاد عن المحرمات، بل الإقلاع عن العادات السيئة، ولنأخذ أنموذجاً للعادات السيئة هو ظاهرة الإدمان أو الإفراط بالوقت أمام السوشل ميديا.

الطقوس الرمضانية والصيام الإلكتروني

فمن فوائد شهر رمضان هو التعويد على عملية الانضباط وكسر الروتين الذي اعتدنا عليه طيلة أحد عشر شهراً وهذا الأمر يفيدنا في تقنين استخدامنا بشكل نظامي لوسائل التواصل الاجتماعي بما تدعو إليه الكثير من الدراسات بما يسمى بالصيام الإلكتروني والذي هو عبارة عن ترك الإنترنت لفترة أو تقنين الاستخدام لكسر الروتين الذي أصبح يلاحق كثيرين حتى أصبحت شاشة الهاتف المحمول أول ما يراه الشخص عندما يستيقظ من النوم، وآخر ما يراه قبل أن يخلد إلى النوم.
فقد فضلت بعض الدراسات أن تكون هناك فترة زمنية يصوم الشخص فيها صياماً إلكترونياً بمعنى أن يبتعد عن وسائل التواصل الاجتماعي كل فترة لكي لا يكون الجزء الأساس في حياته وحتى لا يصل إلى مرحلة الإدمان والعيش ضمن واقع افتراضي غير الواقعي والذي يصل للبعض إلى حد الإدمان فلا يستطيع أن ينقطع عنه الإنترنت ليوم أو قُل ليلة وربما لساعات عند بعض من الأشخاص!! فيضطر لمراجعة مراكز الإدمان، وهذا الأمر بحسب الدراسات ينبغي أن يكون ضمن برامج خاصة يعدّها الشخص لنفسه في الاستخدام وخاصة للذين يرون أنفسهم يهدرون جل وقت فراغهم تحت عناوين لا فائدة منها في عالم الإنترنت، وكل ذلك في محاولة لبقاء قوة الإرادة عند الشخص معتدلة بحيث لا يمكن أن يسلب عالم التواصل الاجتماعي أو السوشل ميديا إرادة الشخص ويجعل وقته مبذولاً في اللا مفيد.
وإذا ما طبقنا هذه الدراسة على الابتعاد عن عالم الإنترنت أو التقليل من استخدامه في المدى السنوي يمكن استغلال شهر رمضان لهذا الأمر، وبهذا يكون الاستخدام الإلكتروني تحت إرادتنا على المدار السنوي ويجعل لنا إرادة بالتصرف به لا أن نكون منقادين له في ضياع الوقت، فنبتعد في هذا الشهر الفضيل عنه أو نستخدمه باعتدال بمزاولة طقوس شهر رمضان المباركة واستغلال الوقت فيها، كالصلاة المستحبة وقراءة الأدعية والسماع للمحاضرات التوعوية والزيارات وهذا لا يتحقق بمعناه الحقيقي إلا عندما يكون وقت استخدام السوشل ميديا مقيداً لبعض الوقت.
كما إن لشهر رمضان طقوس خاصة تتمثل بالاختلاط كزيارة بعضنا البعض من الأقارب والأصدقاء وتناول الحديث المفيد، والاجتماع بين الأهل والجلوس على مائدة إفطار واحدة، وهذا بحد ذاته يجعلنا نبتعد عن وسائل التواصل للتماس مع العالم الحقيقي وقد يسأل سائل بأنه يمكن من خلال عالم الإنترنت أن يتواصل مع الآخرين وهذا الأمر وإن كان صحيحاً ولكن لا يعطي التأثير الاجتماعي للفرد فيما إذا كان بينهم جسداً، كما أن المشكلة تكمن في الإفراط بالاستخدام والمراد السيطرة عليه بإرادتنا.
لذا ينبغي علينا التقنين جداً في هذا الشهر، ولا ندع لأنفسنا هواها، ولا نطيل المكوث على الأجهزة المحمولة. ووضع خطة زمنيَّة لاستخدام تلك البرامج، ولا نقول تركها بالكلية لكن النظام جميل في كل شيء، لكي نغتنم فرصة شهر رمضان بعمل طقوسه العبادية والاجتماعية والتي تكون سبباً في تقوية إرادتنا في باقي الشهور أولاً وحتى نتخلص من ظاهرة الإدمان والانطواء والعزلة بالعالم الوهمي في باقي الشهور ثانياً.
وإذا ما استخدمناه فينبغي أن يكون في الأمور الإيجابية بأن لا نتابع شيئاً يغضب الله تعالى ويفسد روحانيَّة الشهر الكريم؛ بل في الأمور الدينيَّة والصحيَّة والعلمية وبذلك نجمع بين الدين والعلم والحياة والصحة، ونبتعد عن الاستخدامات السلبية فهناك أمر لا بد الالتفات إليه وهو أن بعض المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي يحاول أن يعبر عن سلوكه ومشاعره في أي حادثة له عن طريق هذا العالم، فتراه ينشر موائد الإفطار الغنية بأنواع المأكولات والتي لا يستطيع الفقير اقتنائها مما يسبب ألماً لكل فقير يرى ذلك من حيث يعلم أو لا يعلم وهو ما يتضارب مع أحد أهداف هذا الشهر الفضيل والمتمثل باستذكار الفقراء في محنتهم ومساعدتهم لا أذيتهم.
ومن هنا نعلم بأن الصوم يمنح الانسان فرصة ذهبية للتغيير الإيجابي في المستويات كافة، بالتدريب على قوة الإرادة و التخلص من نقاط الضعف والسمات غير المرغوبة في الشخصية، وإن مزاولة الطقوس الرمضانية لهو خير معين لنا على تقنين استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي المفرطة التي تبعدنا عن عالمنا الحقيقي، وتجعلنا أسرى له بإهدار الوقت الثمين وأن نستخدمه بما هو خير ومفيد لنا وللجميع.

تعليقات