أسرة وطفل .. افهموا أطفالكم


فهم حاجات الطفل نفسياً ... اللعب أنموذجاً

  1. ضياء العيداني


إن تربية الأطفال هي الشغل الشاغل لمجتمعنا في العصر الحديث مع التطور الحاصل في التكنولوجيا والتي لم يكن الطفل بمعزل عنها، والتي يمكن أن تؤثر سلباً أحياناً إذا تم استخدامها بشكل خاطئ، وأولى هذه الخطوات هو فهم عالم الطفل عن طريق فهم ميوله ورغباته الفطرية التي غرسها الله تعالى فيه في هذا العمر، وإن الطفل خاصة في سنواته الأولى يتعامل مع العالم الخارجي عن طريق حواسه وميوله كما ينبغي أن نعرف العمر لهذه المرحلة، ومتى تنتهي والتي عبّر عنها القرآن الكريم بقوله: (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) سورة الحج/ آية (5)، أي أن يبلغ الطفل أشده ويخرج من الجهل إلى العلم، ومن الضعف إلى القوّة، ومن التبعيّة إلى الإستقلال؛ كما أن هناك ميول فطرية فيه تنتهي في مرحلة معينة من مراحل الطفل كاللعب الذي سنتحدث عنه كأنموذج والذي يبدأ بالمرحلة الأولى من مراحل الطفل، فإذا فهمنى ذلك تعاملنا معه بشكل صحيح لإن عالم الطفل في الواقع ليس نسخة مصغرة من عالم الكبار.
وأول شيء ينبغي معرفته في شخصية الطفل هو ميوله ورغباته ومن هذه الميول الفطرية التي غرسها الله تعالى فيه هو ميول الأطفال إلى اللعب.
وقد عبّر القرآن الكريم عن هذه الميول في قوله تعالى في سورة يوسف (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) سورة يوسف/ آية (12) وفيه ذكر واضح لحقيقة احتياج الطفل إلى اللعب والتي جاءت في الآية بلفظ (يلعب) وهي دعوة لفهم حاجات الطفل النفسية وما يتخللها من اللعب والخيال وغيرها.
وغريزة اللعب عند الأطفال تكمن في السبع سنوات الأولى من عمر الطفل، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: (دع ابنك يلعب سبع سنين....). تأكيداً لحاجة الطفل للعب والذي يفترض أن يفرغ الطفل طاقته بشكل صحيح ويمكن استثمارها في تقويم شخصيته بدمجه مع أصدقائه تحت متابعة الوالدين ومع الأخذ بنظر الاعتبار إبعاده عن الألعاب الخطرة التي تؤذيه، ومن الأفضل أن يختار الوالدان الألعاب التي يحتاجها الطفل وتكون منسجمة مع رغباته، والتخلص من الطاقة الزائدة وهو مقدمة للعمل الهادف، من خلال تعامله مع أفراد جنسه، وللعب دور مهم في تعلم عادات التحكم في الذات والتعاون والثقة بالنفس، والألعاب تضيف الى نفسية الطفل البهجة والسرور وتنمي مواهبه وقدراته على الخلق والإبداع.

وجاء في (بحار الأنوار) إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يشارك الحسن والحسين (عليهما السلام) في فعلهما ويتصرف وكأنه أحدهما فكان الحسنان (عليهما السلام) يركبان ظهر النبي ويقولان: حَلْ حَلْ، فيقول (صلى الله عليه وآله): نعم الجمل جملكما، بحار الأنوار.

تأثير غريزة اللعب على شخصية الطفل مستقبلاً
اللعب هو نشاط حركي إذا تم بشكل صحيح فسوف يؤثر إيجاباً على شخصية الطفل، والعكس صحيح، إذا تم كبت هذه الغريزة، فقد وقد ورد عن الإمام ... (عرامة الصبي في صغره زيادة في عقله في كبره)، وإذا تتبعنا المعنى اللغوي للفظ عرامة نجدها ذات معانٍ تحمل الشدة والحركة، فقد جاء في معنى خُلُقٌ عَارِمٌ : أي شَرِسٌ ، شَكِسٌ، و وَلَدٌ مُشَاكِسٌ : مُشَاغِبٌ ، أَيْ مَنْ يُحْدِثُ الشَّغَبَ وَالْمُشَاكَسَةَ، وعرامة العواطف: اشتدادُها وخروجُها عن الحَدِّ.
واذا ما طبقنا هذه المفردة بمعناها الاصطلاحي للطفل سوف تنطبق على حركة الطفل ونشاطه.
وقد أثبتت الدراساتُ الحديثة ضرورة اللعب؛ لأنه يؤدي وظيفة هامة في حياة الطفل؛ فهو بلعبِه يكتشف العالم من حوله، ويتعرَّف على كلِّ ما فيه، ويتعلَّم كيف يتعامل معه؛ فالطفل يحب أن يقلِّدَ الكبار، وأن يكون في مِهنتهم، ويحب أن يساعدَهم في إنجاز مهماتهم، ويفضل أن يقوم بأعمال والديه بالذات...؛ ولذلك يكون يقظًا متنبهًا لِما حوله، يركض من هنا إلى هناك، يراقب حركات أمه وهي تُدير المنزل، ويُتابع أباه وهو يعمل، وإخوته وهم يلعبون أو يدرُسون، ويسأَلهم ويُلح عليهم في الاستفسار؛ ليحذوَ حَذْوَهم، وفي هذا فرصة عظيمة يمكن للأم اغتنامُها في صرف ولدها عن النشاط التَّخريبي إلى العمل المفيد، والاستفادة من الطاقة الزائدة في جهد مثمر؛ كتعليمه إصلاحَ الأشياء عند السماح له بمراقبة والده وسؤاله عما يفعله، أو في صَرفِ طاقته الحركية في مساعدة والدته في ترتيب المائدة، أو نقل الصحون؛ وبذلك نستطيع الاستفادة من طاقات الصغار في أعمال فعَّالةٍ بدل قتلِها، أو تبديدها في الجلوس طوال النهار دون حراك أو أمام شاشات الفيديو أو التلفزيون أو ألعاب الكمبيوتر.
كما أكدت دراسات النمو المعرفي على أن أصل الذكاء الإنساني يكمن فيما يقوم به الطفل من أنشطة حسية حركية خلال المرحلة المبكرة من عمره -وهي المرحلة التي يمر بها الطفل- بما يعني ضرورة استثارة حواسه الخمسة (السمع – البصر –اللمس – الشم – التذوق)
وتأثير ذلك على شخصيته يكمن في أمرين:
زيادة حلمه ففي رواية: (عرامة الصبي... تجعله حليماً في الكبر..)، أي الأطفال ذوو الحركة والنشاط في اللعب والذين لم يكبتوا في صغرهم يصبحون أكثر هدوءاً.
كما أثبتت الأبحاث والدراسات بأن نشاط الطفل ولعبه يَزيد من ذكاء الطفل وخِبرَتِه بعد أن يكبُرَ، أمَّا الآخَرُ الذي لا يتحرك، ويجلس دائمًا وحيدًا في أحد الأركان فهو غير سِوِيٍّ، وغالبًا ما سَيُصابُ بعد ذلك بالانطواء والكَبْت والخوف والخجل نتيجة لذلك.

طريقة خاطئة احذروها
لقد دأَب الآباء على تشجيع الطفل الهادئ الذي لا يلعب ولا يتحرَّك، وتفضيله على الطفل النشيط الدائب الحركة الذي يسأل ويستفهم...؛ ولذلك ما برحوا يردِّدون هذه العبارة: "اجلس واسكت" دون تفكيرٍ جادٍّ بمضمون هذه العبارة وخطورتها على مستقبلهم النفسي والعلمي، بينما يرى علماء النفس أن الأول جبان مغلَّف بالضعف، يتوقَّع له التعثُّر، وربما الفشل، والآخر جريءٌ قوي الشخصية، يُتوقَّع له النجاح والفوز، فأيهم تفضلون؟
إن الآباء والأمهات الذين يفسحون المجال في الأسرة للاطفال كي يمارسوا نشاطاتهم الفطرية ، ولا يسخرون منهم في الأفعال التي تصدر منهم ولا يحاولون تحقيرهم أبداً ، يتوفقون الى الرشد المعنوي بسرعة وينالون شخصية كاملة. وعلى العكس ، فإن الآباء والأمهات المستبدين في الأسرة الذين يسلكون تجاه اطفالهم بالشدة والحدة ويملأون جو الأسرة رعباً وهلعاً يكتبون القابليات والاستعدادات الباطنية للأطفال ويمنعون من الرشد الطبيعي لهم فينشأون وهم فاقدون للشخصية.
والطفل ليس آلة صماءَ حتى يستطيع الجلوس هادئًا ملتزمًا الصمت، إنما هو شعلة من الحيوية والنشاط؛ فالولد يعشَق الركض والوَثْب والقفز، ويستمتع بجر الأشياء، ويُحبُّ تسلُّق الأماكن المرتفعة...، وإننا بمنعِه من الكلام والحركة نجُور عليه، ونحرِمه من أبسط حقوقه، ونُلزِمه بما هو فوق طاقته، وهذا ظلم له، وسوف نؤاخذ عليه.
وجلوس الولد من دون حركة يُفقِدُه النشاط والحيوية اللازمين لنموِّه، الأمر الذي يسبِّب له الخمول والفتور، فتموت حيويته، وتضعُف أعصابه، وترتخي عضلاته، وإذا كانت الرياضة مهمة عند الكبار، ووسيلة من وسائل التسرية عن النفس، وطريقة للتخفيف من أعباء الجد والعمل - فإن لعب الطفل لا يقِلُّ عن أهمية العمل في حياة الكبار، بل هو أهم شيء بالنسبة إليه في العالم، يقول محمود مهدي الإستانبولي في هذا المقام: "إن مَنْعَ الأطفال من اللعب والنشاط قتلٌ لهم، وإضعاف لأجسامهم وحيويتهم، فينبغي في البيوت الحديثة تخصيصُ غرفة لهم مجهزة بالألعاب المفيدة والأدوات اللازمة؛ ليلعبوا ويتحرَّكوا دون أن يُفسِدوا أدوات البيت،
ولذلك شجَّع الإسلام الحركة والنشاط، وأجاز للصبيان اللهوَ البريء، واللعب المفيد؛ بل حث دينُنا الآباءَ على تنشيط أولادهم بتعليمهم السباحة والرماية...."علِّموا أولادكم السباحة والرماية، ومُرُوهم فليثبوا على ظهور الخيل وثبًا".
• وللعب مع الأقران دورٌ مهم في تكوين العلاقات الاجتماعية، والصداقات المفيدة، وهو يعلِّم الطفل القِيَم الدينية والخُلق، ويدرِّبه على التعاون والأخذ والعطاء، وهذا بعض ما قيل: "دلت الدراسات التربوية الحديثة على أن الطفل يكتسب كثيرًا من العادات الطيبة إذا وُضِع له برنامجٌ صحيح دقيق للألعاب؛ لأن الأطفال الذين ينصرفُ اهتمامهم إلى أشياء تُعجِبهم لا يجدون متسعًا من الوقت للشجار والمعاكسة"[5].
• واللعب يخلِّص الولد (الذي يعيش في بيئة متوترة) من بعض مشاعر القلق التي تعصِف في داخله، ومن أعراض سوء التكيف التي يعانيها في بيته، ويجنِّبه الإحباط، ويُبعِد عنه اليأس، فما صعُب عليه في عالم الواقع يأتي به أثناء اللعب فيشبع رغباته، ويبدِّد مخاوفه، وينسى مشكلاته، ويفرِّغ بذلك الطاقة الزائدة والشِّحنات الانفعالية الحبيسة داخله، الأمر الذي يؤمِّن له السلامة النفسية ويعطيه القدرة على التحمُّل والاستمرار.
• وقد لا يحتمل كل الأولاد الخضوع لهذا الضغط وهذا الظلم طويلاً؛ ولذلك لا بد أن يتمرَّد بعضهم يومًا ويتطاول، إما تنفيسًا عن النفس، وإما للفت الأنظار، وقد تكون غضبتهم شديدة وانتقامهم مريرًا، فإذا بهم يصبُّون حقدهم على كلِّ ما يحيط بهم، فيكسِرون الأشياء عمدًا، ويُتلفون أغراضهم، وأثاث غرفتهم، وربما خربوا أدوات المنزل الضرورية...، وفي هذا هدر للمال والجهد، وتطاولٌ غير مباشر على أوامر الوالدين.
.........................................



تعليقات