الوعي صمام أمان الفرد والمجتمع

الوعي الفردي والجماهيري وانعكاساته الدينية والاجتماعية والسياسية

ضياء العيداني 


عندما نتكلم عن الوعي فإننا نقصد بذلك الأفكار التي اكتسبها الفرد في حياته وفهمه لحقائق الأشياء، وكذلك نقصد المفاهيم عن حقيقة معرفتنا بالأمور، وكلاهما يخرجان منا بشكل وجهات نظر تنطبع في مشاعرنا فتخرج سلوكاً يحدد شخصيتنا.
وهذا الوعي يختلف نسبياً بين شخص وآخر ومدى استيعاب الشخص لعلم دون آخر، كما أن أدوات الوعي كثيرة منها العلم والتثقيف والتجربة والتأمل وينقص بأضدادها كالجهل وعدم الخبرة والغفلة وإهمال العقل، وأشدها هو الحماقة، والتي تعني التصرف بتسرع دون دراسة وإلمام للموضوع وسلوك طرائق تقوده للمضرة بينما يتوقع أن تنفعه. حتى قال الشاعر الكبير المتنبي:
لكل داء دواء يستطب به          إلا الحماقة أعيت من يداويها
وقد يكون أحد أسباب الحماقة بأن الشخص ينظر إلى نفسه بأنه يفهم كل شيء ويحيط علماً بكل الأمور لذلك تراه لا يستشير، متسرع القرار، وجاء في إحدى وصايا الإمام علي عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام قوله: (إِيَّـاكَ وَمُصَادَقَةَ الأَحْمَقِ فَإِنَّهُ يُرِيْـدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرُّكَ).
العلم والوعي: ومن أدوات الوعي العلم ونقصد بالعلم هنا اكتساب المعارف سواء أ كانت العلمية منها أم الإنسانية أو الدينية ولا يقتصر المفهوم على الحفظ فقط فكم من حافظ للعلوم غير مستوعب لها، فالذي نقصده هو الاستيعاب وأن يكون الشخص على معرفة ولو يسيرة بالعلوم على اختلافها فما لا يُدرَكُ كُلُّه ، لا يُترَكُ جُلُّه، ويتم اكتساب العلوم بالمطالعة والسماع لذوي التخصص بعلم معين مع استيعاب العلوم الباقية ولو بشكل جزئي، كل ذلك يجعل من الإنسان خزيناً لمعلومات مستوعبها تنفعه في الدنيا والآخرة، وتجعل له قرارات صائبة وسليمة وحكيمة ناضجة.
التجارب والوعي: التجارب من الأدوات التي نستطيع أن نكتسب من خلالها وعياً كافياً فالتجارب التي يمر بها الفرد أو يتعظ بها عندما يمر بها آخرون لهي خير دروس تمنح الشخص وعياً خلال حياته، فتجعل منه شخصاً ملتفتاً لعاقبة ما يريد الولوج به من أعمال ويكون صاحب تخطيط ناضج، وهذه تكتسب أكثر بمرافقة ذوي العقول أو الخبرات لتكتسب منهم المهارات التي أوصلتهم للنجاح في أعمالهم فيكون الشخص محظوظاً بذلك.
وإذا توسعنا قليلاً سنجد أن هناك أمماً تقدمت سياسياً واقتصادياً بعدما استفادت من تجاربها أو تجارب دول غيرها مرّت بصعاب واجتازت تلك المراحل. ويكشف لنا التاريخ عن عظماء ساروا على خطى القادة الصالحين فنتج أن خلدهم التاريخ بمواقفهم.
وللوعي أنواع يختلف باختلاف المواضيع فمنه:
أولاً: الوعي الفردي: والوعي الفردي يعني مجموعة الثقافات والتجارب التي تعلمها واكتسبها الشخص في حياته وهذه على عدة أنواع أيضاً فمنها الثقافة الشخصية والثقافة الدينية والثقافة الاجتماعية.
* * الثقافة الشخصية: وهذا الجانب يختص بالإطلاع على المعلومات الخاصة بشخصية الإنسان ومعرفة مواطن القوة والضعف فيها لكي تكون لدى الفرد شخصية سوية، وهذه المرحلة مهمة خاصة للآباء في تربية أبنائهم وإلمامهم بطرائق غرس المفاهيم الصحيحة، وضرورية للفرد أيضاً في تقويم سلوكه، ولم يقتصر هذا الأمر على الإطلاع فقط بل بالتطبيق للمعلومات والاستفادة من تجارب الآخرين.
* * الثقافة الدينية: قال الإمام الصادق عليه السلام : (ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام) وهذا الوعي له من الأهمية بحيث يحدد مصير عمله لأن من لا يفقه بأمور الدين سيدخل نفسه في موارد الحرام، كما أن الوعي الديني ضروري لكي يكون الإيمان راسخاً بقلوبنا عن علم ومعرفة لا عن جهل عن طريق الرجال الأمر الذي ينتج بأن نتبع رجالاً منافقين متسترين بالدين ولا نعلم بباطنهم بل نتبع هذا الطريق لمجرد أن هؤلاء الرجال به وعندما يتضح لدينا أنهم على باطل ستكون هناك ردة فعلية معاكسة تجاه الدين ونخرج منه - والعياذ بالله - بعد أن نكتشف زيف هؤلاء المتصدين المنافقين أو بالانجرار خلف أفكارهم التي هي ضد مصالح الدين والأمة فنكون شركاء بأعمالهم الباطلة لهذا حذر الإمام الصادق عليه السلام من ذلك بقوله: (من دخل في هذا الدين بالرجال، أخرجه منه الرجال كما أدخلوه فيه ، ومن دخل فيه بالكتاب والسنّة ، زالت الجبال قبل أن يزول).
* * الثقافة الاجتماعية: ونقصد بها هنا كيفية تعامل الفرد من أبناء جلدته، فالواقع يحكي لنا اختلاف الأمزجة والشخصيات والطبائع، وهناك قاعدة عامة اعطاها لنا سيدنا ومولانا الإمام علي عليه السلام بقوله: (الانقباض بين المنبسطين ثقل، والانبساط بين المنقبضين سخف)؛ فمن كان منسبطا لا يجدر بنا أن نتعامل معه بثقل والعكس صحيح، وأن نتعامل مع المجتمع بثقة مبنية على التجربة لا نعطي الثقة العمياء دون دراسة ودراية فنكون ساذجين ولا أن نشكك بكل الناس من حيث النوايا، ولا نثق بالأقوال بل نعزز ثقتنا بما نلمسه من الأفعال، وأن يكون حبنا للآخرين وسطي قال أمير البلغاء علي عليه السلام: (أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْماً مَا وَ أَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْماً مَا) اي التأني وعدم الإفراط في الحب أو البغض، وأن تكون صداقاتنا مبنية على على حسن الاختيار لأن الصديق له دور كبير في تغيير مسار الشخص على جميع الأصعدة سلباً وإيجاباً.
ثانياً: الوعي الجماهيري: 

وهو الوعي الناتج بتضافر جهود ما سبقنا الإشارة إليهم من أصحاب الثقافة الدينية العاملين وممن لديهم ثقافة اجتماعية وثقافة فردية من علماء وخطباء وكتاب وأدباء ومفكرين في مختلف ميادين الثقافات من أصحاب الفطرة والنوايا السليمة التي تهتم بالشأن العام وتقدمه على الشأن الذاتي بدافع الأنانية والمصالح، والذين يتضافرون في صناعة الرأي العام الصحيح والموّجه عن طريق تثقيف الأفراد والتصدي لمحاولات المنافقين الذين همهم وضع غشاء على عيون الكثيرين في عدم معرفة مصير الأمة والأفراد واستغلالهم أو تزييف الحقائق وصد المجتمع عن التفكير والتثقيف السليم بل كل هَمّ المنافقين هو نشر الجهل بالأمة أو ضخ الثقافات الخاطئة لكي تخلو الساحة لهم ليعملوا ما يريدون من مصالح شخصية أو فئوية أو عنصرية مقيتة لا تمُتّ إلى الإسلام والإنسانية بصلة إطلاقاً؛ فالوعي الجماهيري يجعل المجتمع يحسن اختيار ممن يضعون ثقتهم به على المستوى السياسي ويبعدون كل من لا يريد لهم الخير، ويكون مجتمعاً واعياً لا تنطلي عليه الأكاذيب والخدع بالشعارات البراقة.

وبعد ما قدمناه يتضح لنا أن للوعي دوراً مهماً سواء أ كان على مستوى الفرد أم المجتمع، وعلى المستوى الديني أو الدنيوي؛ وخاصة ونحن نعيش في عصر انتشرت فيه التقنيات الحديثة والتي من المفروض استغلالها في نمو وعينا و إدراكنا و تحصين أنفسنا بحيث يمكن أن نميز الخبيث من الطيب في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل، فعن طريق الوعي تتضح الرؤيا الصحيحة لدى الأفراد والمجتمع في كيفية التعرف على دينهم ومن يمثل ذلك الدين بالشكل الصحيح ويتعرف المجتمع على القائد الأصلح سياسياً لبلده وكذلك معرفة سبل التعايش مع أبناء الأمة الواحدة، وكيفية تخطيط الفرد الصحيح لمستقبله باستخدام أدوات الوعي الصحيحة.

تعليقات