الفهم السيكولوجي للطفل من منظور قرآني


ضياء العيداني


القرآن الكريم دستور متكامل لم يدع جابناً من الحياة إلا وأشبعه، فتناول أسس الحياة الخاصة بالفرد والمجتمع والذكور والأناث بل والأطفال.
وما يخصنا في هذا المقال هو الجانب الطفولي في القرآن الكريم من خلال آية وردت في سورة يوسف عليه السلام وهي (أرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
فما هي العناصر التي يمكن أن نستشفها من هذه الآية والتي تمثل حاجات الطفل؟

القصة:

لا شك أن للقصة تأثيراً كبيراً على الأطفال في رسم ملامح التربية لهم عن طريق ما يطرح لهم من أهداف دينية وتربوية بطريقة تشويقية ومسلية، لذلك وردت هذه الآية في إطار قصصي جميل تناولت الحوار الذي دار بين نبي الله يعقوب عليه السلام وأولاده عندما أرادوا أن يتخلصوا من يوسف عليه السلام، ولم تكن هي الوحيدة بل أن للقرآن الكريم قصصاً جميلة تناول فيها أحداثاً بغاية الروعة وبأسلوب قصصي هادف.
ومن خلال هذا الطرح القصصي الجميل تناولت هذه الآية عناصر أخرى لها أهمية في مرحلة الطفولة، تمثلت بثلاثة أبعاد.

البعد الأول: التغذية

وقد تطرقت الآية إلى هذا المعنى في قوله تعالى (يرتع) والتي تعطي معنى (الاتساع في الأكل والشرب وتتوسع إلى ما لذ وطاب) أي إتمام الحاجة الجسدية من أكل وشرب وغيره، ولا يخفى على الجميع الأهمية الكبيرة لتغذية الطفل في صغره؛ فقد أجمع الأطباء على إن التغذية السليمة للطفل تتركز اهميتها في السنوات العشر الأولى من عمره.

البعد الثاني:

فهم حاجات الطفل نفسياً، وقد جاءت في الآية بلفظ (يلعب) وهي دعوة لفهم جاجات الطفل النفسية وما يتخللها من اللعب والخيال وغيرها، والطفولة فترة حرجة في بناء وتكوين شخصية الانسان كما يقرر ذلك علماء النفس، وذلك لأنها فترة بناء وتأسيس.
وللعب دور كبير في حياة الطفل في هذه المرحلة والذي يتم في أغلبه مع أصدقائه والذين لهم دور كبير لأنهم الفئة الذين يتناغمون معه في نفس المرحلة ويشاركونه ما يحتاج إليه كاللعب. فالطفل يتعلم في جماعة اللعب كيف يعيش في جو جماعي من نوع جديد وفي إطار قواعد اجتماعية جديدة لا سبيل لمخالفتها وإلا نبذته الجماعة.
واللعب استعداد فطري عند الطفل يتم من خلاله التخلص من الطاقة الزائدة وهو مقدمة للعمل الهادف، من خلال تعامله مع أفراد جنسه، وللعب دور مهم في تعلم عادات التحكم في الذات والتعاون والثقة بالنفس، والألعاب تضيف الى نفسية الطفل البهجة والسرور وتنمي مواهبه وقدراته على الخلق والإبداع.
وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: (دع ابنك يلعب سبع سنين...)، تأكيداً لحاجة الطفل للعب والذي يفترض أن يفرغ الطفل طاقته بشكل صحيح ويمكن استثمارها في تقويم شخصيته بدمجه مع أصدقائه تحت متابعة الوالدين ومع الأخذ بنظر الاعتبار إبعاده عن الألعاب الخطرة التي تؤذيه، ومن الأفضل أن يختار الوالدان الألعاب التي يحتاجها الطفل وتكون منسجمة مع رغباته.
وجاء في (بحار الأنوار) إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يشارك الحسن والحسين (عليهما السلام) في فعلهما ويتصرف وكأنه أحدهما فكان الحسنان (عليهما السلام) يركبان ظهر النبي ويقولان: حَلْ حَلْ، فيقول (صلى الله عليه وآله): نعم الجمل جملكما، بحار الأنوار.

البعد الثالث: الأمان

وقد عبرت عنه الآية بقوله تعالى: "وإنا له لحافظون" فالطفل يحتاج بشدة الى الأمن في كل أقسامه، الاقتصادي والأمن الفكري والعاطفي وغير ذلك، ولا يمكن أن يتم نمو الطفل إلا في المحيط الآمن للأسرة، ويصدق على هذا حتى النمو الجسمي أيضاً كما أشارت الى ذلك مختلف الأبحاث والدراسات، وهنا يلعب الأبوان الدور الرئيس في توفير الأمن للطفل .

وأخيراً فإن الطفل لا يمكنه التقدم والتحلي بالصدق والأمانة إلا في ظل أجواء توفر له كل شروط النمو الطبيعي من التغذية الممنهجة واللعب المفيد والمحيط الآمن.

تعليقات

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  2. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  3. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف

إرسال تعليق