إيذاء الآخرين... المشاكسة الهاتفية أنموذجاً

ضياء العيداني

ان الأخلاق التي نطمح إلى ان يتصف السلوك الإنساني بها هومايكون نيتجة تضافر جهود الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع ومؤسسات حوزوية ومؤسسات إعلامية، لجعل الإنسان يسمو بغرائزه ويتخلص من أنانيته ويحب لأخيه ما يحب لنفسه وينال البر بإنفاق مما يحب ان يكون له ويتأسى بالرسول الكريم وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين في جميع مواقف حياتهم وإيجاد مجتمع فاضل وسليم يبعد الناشئة والشباب من الانحراف وتأكيد التربية الأسرية الصحيحة التي تعتمد الإسلام شرعاً ومنهاجا واعتماد القيم الخلقية والتسامي والسمو بالنفس على الغرائز والحث على الفضيلة ومقاومة الرذيلة والابتعاد عن الإثم والانحراف، ثم ان تحقيق الانضباط يبدأ أولاً من الأسرة مع ملاحظة حركة الزمن المتغيرة وكل جيل له ظروفه تفرض عليه الملائمة للتطورات التي يمر بها العالم لذلك قال الأمام علي ابن أبي طالب عليه السلام (لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فأنهم مخلوقون لغير زمانكم)، هنا نستدل ان القائمين على تربية الأبناء لابد من اخذ التطورات الاجتماعية بنظر الاهتمام عند أي قرار يتعلق بتربية أبنائهم، وتأتي المدرسة لتكمل ما بدأته الأسرة والتركيز على تنمية أساليب السلوك التي تتفق مع القيم الأخلاقية المرغوبة فيها، أما اذا لم يحصل هذا الإهتمام فإنه سوف يكون لدينا جيل غير متوافق مع ذاته ثم ينقل عدم التوافق هذا الى الخارج ليكون أذية على غيره؛ فكثير ما نلاحظ في حياتنا اليومية أن بعض الأشخاص يميلون إلى إزعاج غيرهم من الناس ومضايقتهم وتعكير مزاجهم، ولعلّ هذا راجع إلى ما يعانونه من الأضطرابات النفسية، ولهذا لا يجدون مخرجاً من ذلك الصراع الداخلي غير مشاكسة الآخرين، وهناك بعض الأفراد مّمن فشلوا في تحقيق ما تطمح إليه نفوسهم فتتولّد لديهم الرغبة في إلحاق الأذى بغيرهم عن طريق الأساليب الملتوية، وبمعنى آخر فإنّهم بدلاً من إصلاح أخطائهم ومعاقبة أنفسهم يعاقبون غيرهم ويتلذّذون بالإساءة إليهم، ونرى كل يوم أمثلة متعدّدة من مظاهر ذلك السلوك غير الاجتماعي، وميل بعض الناس دون مبرّر إلى مضايقة الآخرين، ومن الحالات التي نعيشها مثلاً هو سائقو الدراجات من المراهقين، حيث يترنحون في سياقتهم بقصد تخويف بعض من يمرون بهم وبخاصة من الأطفال، فضلاً عن استخدامهم للمنبه لغير الحاجة.

أسباب المشاكسة
بعض علماء النفس يقولون إنّ سلوك كثير من الناس يتشكّل طبقاً لما تعوّدوا عليه في سنوات الطفولة، وقد يكون هناك سبب آخر هو أنّ أولئك الأفراد المشاكسين إنّما ينتقمون لأَنفسهم من ظلم وقع عليهم أو معاملة غير منصفة يُريدون أن يأخذوا ثأرهم مقابلها، ويرى البعض الآخر من علماء النفس أيضاً إنّ الحقد والضغينة والمشاكسة غالباً ما تكون الصفات الغالبة في سلوك الأفراد الفاشلين في حياتهم، المنطوين على أنفسهم أكثر ممّا نجدها في سلوك الأفراد الناجحين في الحياة، فالإنسان لا يولد حاقداً على غيره بل يصبح حقوداً بمرور الأيام.
المشاكسة الهاتفية
لكل وسيلة حدان (سلبي وإيجابي)، والهاتف ضرورة من الضروريات لكنه قد يجر الى محظورات، يقول باحث اجتماعي: إن المشكلة في أولئك الأشخاص وفي ظروفهم الاجتماعية لا في الوسيلة ذاتها، فاستخدام الاتصالات الهاتفية للمشاكسة أمر غير مرغوب فيه والهدف من ورائه هو التسلية أو أذية الآخرين وإزعاجهم والذي يُعد سلوكاً شاذاً يمارسه المضطرب نفسياً مثل السادي الذي يتلذذ بأذية الآخرين فبمجرد أن يشعر المتصل بغضب المتصل به وانفعاله يفرح لذلك ويسعد بانفعاله ويحاول من خلال ذلك التنفيس عن رغباته السلبية المكبوتة في عقله الباطن.

ونكرّر القول بأنّ كل شيء يتوقف على التربية والقدرة ولهذا فإنّ الآباء والأمّهات يقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة في تربية الأطفال وبناء الأسس المتينة في شخصيته مع التعاون من قبل مؤسسات التربية والتعليم، والمؤسسات الحوزوية والمؤسسات الإعلامية الهادفة، وصقل شخصية الاطفال بفكر أهل البيت الأصيل وحكم الائمة عليهم السلام، لتنمو الإرادة القوية فيهم التي تجعل من الفرد إنساناً كريماً قوياً محترماً لذاته ولغيره، وتربية النفس هي العامل الأساس في نجاح الإنسان في حياته الفردية وحياته الاجتماعية على حد سواء.




      

تعليقات