الوعي الاجتماعي بين الضياع والإهمال

 


 *ضياء العيداني
الثقافة: هي اكتساب للعلوم والمفاهيم بالشكل الصحيح مع الإيمان والاقتناع بها، لكي تنعكس على شكل سلوك قويم يتعامل ابناء المجتمع من خلاله لكي يرقى الى المستوى المطلوب على المستوى الديني والدنيوي، فالأديان جاءت كلها تدعو الى السلوك الصحيح كما قال النبي الأعظم (ص): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
فالفضائل سجايا حثت عليها الأديان السماوية والعقل لأن الفرد خلق مع مجموعة أفراد ابتداءً بالأم والأب والزوجة والأبن والأقارب والجار ومن لديك معه عمل أو تربطك به رابطة ما. وعليه فلا يمكن الاستغناء عن الاختلاط مع الناس وهذا الاختلاط له أسس وثوابت وحقوق و واجبات تختلف باختلاف من تتعامل معه، ومن هنا كان لا بد من معرفة حقوقنا من واجباتنا مع من نختلط بهم ومن ثم كيفية التعامل معهم بالشكل الحسن الذي ينتج أسراً مليئة بالحب والاحترام ومجتمعات ناجحة، وقد أكدت الرسالات النبوية والأحاديث العلوية على هذه الروابط حتى أن للإمام زين العابدين (ع) رسالة تسمى (رسالة الحقوق)، بيّن حق كل من نتعامل معهم وهي بحق دستور اجتماعي يمكن اعتماده في التعامل مع الآخرين، ومن قبله الإمام علي (ع) واضع نظرية التعامل بقوله: (الانسان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).
فما أروعها من مقولة تتعامل على أساس الدين والإنسانية، لأن الدين والإنسانية خطان متوازيان لا يمكن أن يتقاطعا، وكما قيل أنه من الصعب أن يكون الفرد عالماً ولكن الأصعب هو أن يكون إنساناً، نعم؛ إن من يحمل مفاهيم الانسانية مطبوعة في سجاياه لا يصدر منه إلا الخير، ويتعامل مع الناس على أساس الحب للإنسانية ولمن يحمل معنى إنسان، ألم يقل النبي (ص): (هل الدين إلا الحب والبغض)، وكثير من الروايات التي تحث على الألفة والمحبة وإصلاح ذات البين وتنهى عن الفرقة وأسبابها كالغيبة والتهمة والبهتان والأنانية المقيتة وعدم حب الخير الآخرين و...

ومن هنا لا بد لكل مجتمع من دساتير خاصة تطلق من أكثر من جهة كالجهات الدينية والثقافية ومؤسسات الدولة المهتمة بالشؤون الثقافية لبلورة المفاهيم الاخلاقية وتقديمها للمجتمع، فإذا تضافرت الجهود سوف يكون هناك نتاج متألق بعيد عن السلوك غير القويم. حيث يرتفع الجهل عن الأمة ويحل محله العلم بحقائق الأمور وكيفية معالجة المواقف.



ونحن كمجتمع عراقي نفتقر الى كثير من هذه المؤسسات التي تضخّ وعياً وثقافة اجتماعية، فمع وجود الحوزات العلمية ودورها في التثقيف الديني والأخلاقي، نأمل أن تكون هناك دروساً وندوات واستشارات اجتماعية تدخل كمنهج للدراسة، خصوصاً وإن الحوزات قد انتشرت والحمد لله في كل محافظة وفي كل حي تقريباً والحضور فيها عدد لا بأس به، فيمكن الاستفادة من هذه التجمعات لطرح المفاهيم الاجتماعية وأسس الاختلاط وكيفية معالجة المشاكل الأسرية وتربية الأطفال والاهتمام بالعلاقة الأسرية والاجتماعية.


ثم إننا لو أمعنا النظر الى غيرنا من الدول وبعضها إسلامية (لا أقل غربية) نجدها تهتم بموضوعات كهذه، ففي المؤسسات التعليمية نجد أن هناك باحثاً اجتماعياً في كل مدرسة تقريباً، يتابع إذا ما حدث خلل في مستوى الطلبة فيعمد على فهم حالته وإذا مرّ بمشكلة ما في المدرسة أو خارج المدرسة يحاول حلها، وهذا ما لا نلمسه في مدارسنا مع شديد الأسف، كما أن هناك مؤسسات خاصة في مناطق متفرقة تفتح أبوابها لمن يواجه أية مشكلة، فيذهب اليها لطرح حالته والخلل في سلوكه بكل صراحة والحصول على البرنامج والحلول على شكل (كورسات) ليستفيد منه في سلوكه، وهذا ما لم نجده أيضاً في مجتمعنا.


كما أن القنوات الفضائية تعد المنبر المتحرك والذي هو في كل بيت يمكن من خلاله طرح بحوث اجتماعية ومناقشة حالات يحصل فيها خلل في السلوك غير المستند على فكر صحيح، ويمكن طرح الحلول خلال هذه القنوات باستضافة من لديهم الكفاءة العلمية والخبرة والتجربة في المجال الاجتماعي والأسري.


كما يمكن للدولة بصفتها المسؤول الأول في إدارة شؤون البلاد أن تخصص منهجية لعمل المؤسسات الثقافية بشكل جدي وعملي من خلال إقامة مؤسسات اجتماعية تهتم بتثقيف المجتمع وإقامة الندوات الثقافية المستمرة والتي يمكن بثها لتعميم الفائدة، وفتح دورات تثقيفية لمن هم في طريقهم الى الزواج لكي يفهموا عوامل بناء الأسرة ومقومات السعادة الزوجية، وكيفية تربية الأولاد والتعامل معهم حسب السنّ الذي يصلون إليه من الطفولة فالمراهقة التي هي الفترة الحرجة في حياة الأولاد والى الشباب، وأن تعمد الدولة على محاربة الأمية لأن الأسرة التي يكون الأبوان فيها جاهلين لا يمكن أن يثقفوا أبناءهم بالشكل الصحيح لأن فاقد الشيء لا يعطيه

تعليقات