التسلط الأسري معول لهدم الأسر





ضياء العيداني

حدثت قصة واقعية لأسرة تتكون من زوج و زوجة وبنت، وكانت هذه الأسرة تعيش حالة من التسلط من قبل الأب الذي كان يعيش على تقاليد يدّعي انها من تقاليد آبائه واجداده في تزويج البنات لأبناء عمّهن حصراً، دون الاعتراض او المناقشة، وقد كان أميّاً، لكن وُفِقت بنته للدراسة لتكون طبيبة، كما كان ابناء عمها أميين أيضاً، ولم يعيروا اي اهتمام للدراسة والعلم، والقصة تبدأ عندما جاء العم ليخطب البنت، التي كانت تمارس مهنة الطب، لابنه والذي لم يكن في وقتها أهلاً للزواج لأنه لا يملك استقلالية في مصرفه وليس له عمل يمكن ان يعتمد عليه، فاستغربت البنت عندما سمعت جواب الأب بالموافقة دون الرجوع إليها! عندها اسرعت الى أمها لتتدخل في حل هذه الأزمة، ولكن الأم كعادتها لا تستطيع ان تقف بوجه قرارات الأب التي طالما حذرها من التدخل فيها وإلا فالطلاق هو الحل، فحاولت الفتاة ان تحاور أباها عسى ان يجدي نفعاً، ولكن الأب أصر على قراره، وعندما شعر بأن البنت رافضة اخذ يضربها، واستمر على هذه الحال يومياً ومنعها من الطعام والشراب البارد وحاربها نفسياً وجسدياً، حتى اصيبت بحالة نفسية صعبة، اشبه بالجنون! ولكن الأب القاسي لم يكترث إلى ماحصل، إلى أن فقدت عقلها بشكل كامل فضلاً عن خسارتها لوظيفتها وحياتها.
كل ذلك نتيجة قساوة أب متسلط فجّر مستقبل فتاة ناجحة في المجتمع تلبية لرغباته المتسلطة.
ويمكن تعريف مفهوم تسلط الوالدين بأنه محاولة التأثير على سلوك الابناء وفقا لرغبات الوالدين وميولهم بغض النظر عن صحة هذه الميول والاعتقادات اجتماعياً، ولا تتم مراعاة امكانيات الابناء وميولهم، ويستخدم الاباء عدة طرق لفرض رأيهم منها عن طريق الاقناع سواء بالتشجيع او بالعقاب بل انها تبلغ في بعض الاسر درجة من التهديد بحيث انها تلغي شخصية الابن او البنت وتمنعه من حقه في ابداء رأيه ولهذا التسلط اثر سلبي على الابناء ومنها اننا نرى الكثير من الابناء يطورون انواعا من السلوكيات يتم تغييرها حسب الموقف الذي يكون فيه وليس حسب المبدأ فترى الابن يتصرف بطريقة عند وجود الوالد ويتصرف بطريقة اخرى في غيابه، وهو ما يسمى الازداوجية في التصرف ومن اثارها السلبية ان تتطور سلوكيات عدوانية من قبل الابناء فيقومون بها كلما سمحت لهم الفرصة مما يخلق جيل تسلطي، ولا ننسى انها توجد شعور دائم بالتهديد لدى الابناء وخصوصا في المواقف التي تتطلب تلقائية وحرية في التعبير عن رأيه وخلق حالات من التوتر والقلق نظرا لارتباطه بما سيواجه اذا خالف رأي والده او توجهاته وميوله لذلك نقول ان تعليم الابناء الاقناع افضل من تعليم التسلط وعلى الآباء فتح باب النقاش والتعبير الحر ومحاورتهم بآرائهم واخذ الايجابي منها وتعديل السلبي وسوف تجد ان ابنك تزداد ثقته في نفسه وعدم خوفه منك وخوفه من التصريح عن مايفكر به وهو افضل من ان يقوم به من ورائك.
وهنا يأتي دور الآباء بتعليم أبنائهم التعبير عن رأي مخالف في بعض المواقف، فهذه الطريقة ستشجع الابن على التعبير عن رأيه وسيشعر بأن رأيه ينال التقدير وعلى الوالدين أن لا ينظروا الى اختلاف الأبناء معهم بأنه تحد لهم فقد يكون ذلك للتعبير عن الرأي، وهنا لا يكون في هذا حرج للأبناء في المطالبة بإعادة النظر من قبل الآباء في آرائهم إذا كانت لا تتفق مع العقل، وبخاصة اذا كانت بدافع توريث العادات والتقاليد التي تربى عليها الأب والمجتمع والتي لا تتطابق مع المبادئ الاسلامية ولا العقل ولا العرف السليم.


العقد النفسية هي السبب

إن الرجال الذين يتسلطون بآرائهم، عادة هم اشخاص سلبيون واتكاليون يجدون صعوبة في التحدث عن مشاعرهم العميقة أو التعبير عن غضبهم بأساليب أقل عنفاً وغالباً ما يكونون رجالاً فاشلين في إقامة علاقات عاطفية حميمة مع أمهاتهم وبذلك يجهلون كيفية تكوين علاقة حميمة ومتينة مع زوجاتهم وأبنائهم ويفتقدون غالباً احترام الذات، وهم بطبيعتهم معقدون نفسياً نشأوا وترعرعوا في أوساط غير صحية يتملكهم الغرور والتسلط والتعالي على جنس الأناث والتكابر عليهن لانهن الجنس الاضعف.
إن الزوج الذي يضرب زوجته أو أولاده لكي يستبد برأيه، هو في العادة رجل غاضب نزّاع إلى الشك والارتياب ومتوتر ومتقلب المزاج ويكون بحاجة قصوى للسيطرة أو التحكم بكل شاردة وواردة في حياة زوجته ومراقبتها عن كثب في اجواء من الشك والمضايقة والريبة وباختصار غير مكتمل النضوج في شخصيته وتصرفاته وسلوكه، كما يعد التسلط من مشتقات العنف في العلاقات الزوجية وهو ظاهرة اجتماعية تعاني منها جميع البلدان الغربية والشرقية والطبقات الاجتماعية كافة وحتى بين بعض الشرائح المثقفة الا انها أكثر انتشاراً بين الطبقات الصغيرة حيث تكثر المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ويسود الفقر والعوز والاحباط والقهر في العمل وتنتشر ظاهرة العنف ضد المرأة بين الرجال المدمنين على تعاطي الكحول والمخدرات والقمار والعاطلين عن العمل.

تعليقات