دور المرأة المؤمنة الى جنب الرجل

 *ضياء العيداني

لم تكن تربية أهل البيت (عليهم السلام) مقتصرة على إظهار نماذج من الرجال اتصفوا بكمال النفوس والأخلاق والفضائل بل أنهم اظهروا نساء كانت مفخرة للتاريخ، إذ لم تكن النساء اقل شأنا وأقل شجاعة واخلاقا وسموا من الرجال، والتاريخ الإسلامي يعرض لنا ثلاثة نماذج من النساء كان لهن الدور الكبير في الحفاظ على الإسلام وترسيخه وإشاعة عدد من المفاهيم والأدوار التي يمكن للمرأة القيام بها، ومن هنا نعلم بأن النساء لهن دور كبير في المجتمع، ولكن هناك ظروفا خاصة تخرج بها المرأة تبدو كما لو أنها حاملة لمسؤولية الاسلام وإصلاحه، وهذا ماينفي قول العلمانيين بأن الحجاب مانع المرأة من التقدم والتطور، وعامل تضعيف لشخصيتها حسب تعبيرهم، ولكن الواقع شيء ثانٍ، فلم يكن الحجاب والعفة يوماً مانعاً من قوة شخصية المرأة وظهورها في مختلف ميادين الحياة.
فهذه خديجة المرأة الأولى في الاسلام التي ساندت الدعوة الإسلامية بمالها، حتى قال بحقها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، (ما قام الاسلام إلا على سيف علي ومال خديجة)، ومن بعدها برزت الصديقة الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين، التي تحولت منذ صباها الى النموذج المتكامل للعفة والخلق الرفيع والصفات الانسانية النبيلة، والأهم من ذلك تحديها للزيف والانحراف الخطير الذي ضرب مسيرة الرسالة بعد رحيل أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكانت مثالاً لرفض الظلم ونموذجاً للمعارضة السلمية الجريئة، هذه الصفات والخصال انعكست مباشرة على شخصية ثالثة هي ابنتها العقيلة زينب (سلام الله عليها)، التي كانت بحق ثورة لفضح الزيف والظلم والطغيان والتعريف بالقيم التي انسلخ منها الناس، حيث تحملت مسؤولية التبليغ والإعلام لما بعد اليوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة، فقد انطلقت ثورة الامام الحسين وانتشرت مفاهيمه منذ استشهاده (عليه السلام)، وأنصاره على رمضاء كربلاء، ولولا صوت الإعلام الزينبي لحُرفت الواقعة وصارت القيم اليزيدية هي الحاكمة على قيم الإسلام، فحملت المسؤولية السياسية والدينية لفضح الظالمين بشجاعة لا تقهر وعزم لا يلين، فيما كان حُماتها من الرجال الأشداء كلهم مجزرين أمام ناظريها، وهي في هجرة عنهم شاهرة اللواء الذي استشهدوا جميعهم من أجله، فهي (عليها السلام) التي تربت في بيت الطُهر والتي قال بحقها جار أمير المؤمنين (عليه السلام): إني لم أسمع لها صوتاً ولم أرَ لها شخصاً)، لكن لم يمنعها ذلك من صياغة شخصية سوية ذات إيمان عميق، فشخصيتها القوية برزت في واقعة الطف وماجرى بعدها من الويلات، فهي الصابرة المصبّرة للسبايا، وصاحبة الصوت الصادح الذي أفشل كل مخططات يزيد واعوانه الاعلامية في تغييب الحقائق، فنجحت في إفشال الإعلام الأموي المسموم، وكذلك كانت تتحلى بالشجاعة، بحيث ان بني أمية ارادوا ان يقتلوا الإمام السجاد (عليه السلام) في أكثر من موقف وكانت تحبط هذه المحاولات بالقاء نفسها عليه وتحول دون تنفيذ ما يريدون، وهي بذلك تنفذ وصية الإمام الحسين يوم عاشوراء أن (احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل محمد...).
*الاسلوب الوجداني عند عقيلة بني هاشم
تجلت شخصية العقيلة زينب في خطاباتها البليغة التي اطلقتها شرارات وهي في حالة السبي، حتى إن الرواة قالوا إنها صورة لبلاغة وفصاحة أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يكن خطاباً ذا سجع مرموق فقط وإنما كان يحمل النَفس الإيماني حيث تضمن اسلوباً وجدانياً دعت فيه من خلاله الى رجوع اهل الكوفة الى انفسهم وندمهم على مافعلوا، فاستثمرت حالة الحشود التي تستقبلهم على أنهم خوارج، فبمجرد دخولهم الكوفة وبّخت أهل الكوفة على موقفهم الغادر الذي استصرخوا فيه سيد الشهداء للقدوم ليبدأ غدرهم بسفير الحسين مسلم بن عقيل بن أبي طالب مما جعل الرأي العام يعيش الاضطراب والندم، حيث أصبح الناس بعد خطابها حيارى، واضعي أيديهم على أفواههم، حتى أن شيخاً قد دنا منها يبكي حتى أخضبت لحيته وهو يقول: بأبي أنتم وأمي، كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونسلكم لا يبور ولا يخزى أبداً.
وفي خطابها في مجلس يزيد وفضحه نموذج آخر من نماذج الوقوف بوجه الظلم والتحدث بفصاحة وبلاغة عميقة وفضح من يعد نفسه حاكماً على المسلمين، حيث تفضح يزيد في مجلسه في الشام وتقرعه، كما تستصغره بقولها: (إني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك) إلى أن توصله إلى نتيجة: (وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين).
ما المطلوب من نساء اليوم؟
في الحقيقة كيف يمكن للنساء أن تحذو حذو العقيلة زينب (عليها السلام)؟
إن المرأة اليوم مطالبة للقيام بعدة ادوار أكثر من ذي قبل خاصة وأن نداءات المطالبة بحقوقها من قبل الغرب وحتى من قبل المسلمين في ازدياد متكرر، لكن من خلال سيدات الإسلام الأُول تبرز بعض الأدوار المطلوبة من المرأة ومنها:
1- المشاركة المالية لدعم المشاريع الاجتماعية ممن يحضين بمقدرة مالية، فيكون العمل مشتركاً بين الرجل الذي يتابع سير العمل وبين المرأة التي هي القاعدة الأساس لإرفاد المشروع مالياً.
2- التأسيس لثقافة الحقوق المشروعة والمطالبات بها بالتعاون مع مختلف الجهات ذات العلاقة، و التقدم خطوات واتخاذ الاجراءات اللازمة في الأوساط الاجتماعية لتحقيق ذلك، وبث الروح الايجابية في هذا المجال، لتبقى مسألة المطالبة بالحقوق المشروعة حية في النفوس.
3- تنمية موهبة الخطابة باستخدام الأساليب المؤثرة وتعلّم الفصاحة والبلاغة لمزيد من المتانة والصلابة في المنطق والالقاء، ويكون الهدف إعداد خطيبات وحقوقيات وناشطات لديهن القدرة على الحديث ومخاطبة الآخر بقوة الحجة والدليل.
4- إعداد القياديات القادرات على إدارة الأمور والتصرف بمنطق الحكمة والصبر وفق ما تقتضيه الظروف والمتغيرات، فلا يستسلمن للظروف ولا يتراجعن عن التقدم نحو التميز والإبداع.
5- إشاعة حياة أسرية مستقرة وتربية أبناء صالحين يؤدون دوراً اجتماعياً لتكون الأم نواة هذه الأسرة والأصل في احتوائها وتوجيهها.
وعلاوة على ذلك، نساء اليوم مطالبات بالبحث والتنقيب المعمق في القيادات النسائية ونشر المبادئ التربوية والأخلاقية التي كفلت لهن حقوقهن وجعلتهن قائدات إلى جانب الرجال، ولا يكفي مجرد البحث بل من اللازم تأليف الكتب والنشر في هذا المجال من أجل تقديم نماذج يعتمد عليها في الأخذ بها واقتفاء آثارها.
وعلى هذا الأساس لابد أن نفهم مدى حاجة المرأة المسلمة إلى أن تضع نصب أعينها نساء أهل البيت الطاهر كقدوة حسنة في كل دقائق حياتها وسلوكها كأم وزوجة وأخت، وكعنصر فاعل في مجتمع اسلامي يتطلع إلى تحقيق اهداف السماء بالتزامه مبادئ الإسلام كرسالة خاتمة متكاملة.
وإذا كان لنساء أهل البيت هذه المكانة السامية في شتى مناحي الحياة الإسلامية فقد كانت لهن بقيادة العقيلة زينب (عليها السلام) أدواراً تعد القمة والذروة في تاريخ المرأة الجهادي التي رفع الإسلام من شأنها لتتحمل مسؤوليتها الرسالية إلى جنب الرجل على حد سواء، ومن هنا تبرز الحاجة واضحة وماسة إلى نشاط نسوي حثيث يتناسب مع حجم الثورة الحسينية من جهة، وحاجة المرأة المسلمة إلى قيم تلك الثورة وأهدافها من جهة أخرى، حتى لا يقتصر اشعاع الثورة وأثرها على العنصر الرجالي ويبقى محدوداً وضيقاً في عالم المرأة وحياتها.
وأخيراً ما أعظم أن تجتمع نساؤنا على مائدة زادها القرآن والسنة النبوية وكلام أهل بيت النبوة، وعطرها ذكر أهل البيت في عصر بلغ حد الجنون في اللهو واللعب والانحطاط وطغيان قيم المادة العمياء. انها سعادة الدنيا والآخرة أن نكون مصداقاً لقول الإمام الصادق (عليه السلام): (شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا).

تعليقات