فرص من القرآن الكريم لنمو الطفل وتقدمه.. في ضوء سورة (يوسف)

 *ضياء العيداني

تعد القصة أحد عناصر التوجيه المباشر في إطار أساليب التربية في الاسلام، وتختلف القصة عن غيرها من العناصر والأساليب بكون القصة تنتهي حتماً الى عبرة وهي بمنزلة موعظة تستنتج استنتاجاً وهذا ما نجده في الاسلوب القصصي للقرآن الكريم على وجه الخصوص، وغالباً ما يرافق القصة التشويق وسهولة الاسلوب وتسلسل الاحداث وترابطها مما يساعد على تعلق السامع بالقصة والرغبة في الوصول الى نهاية الأمر الذي يجعل التربية بالقصة تربية مستدامة. وأكد ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى مخاطباً رسوله الكريم (ص) "... فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (الأعراف/ 176) لما للقصص القرآنية من عبر، وتُعد بحق المنهج المتكامل على سبيل العقيدة وباقي المجالات الاخرى فقد تأثر المكيون بالاسلام وتحركت فيهم الرغبة في الدخول إليه وكان احد الاسباب هو تأثير تلك القصص فيهم لأن أكثر قصص القرآن الكريم نزلت في الفترة المكية.
ولم يقف تأثير القصة على مستوى العقيدة بل شملت الجوانب الاخرى كالجانب الاجتماعي؛ ففي قوله تعالى في سورة يوسف: "دعه معنا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون"، يبين لنا ربنا سبحانه وتعالى منهجاً متكاملاً يجب توفره في مرحلة الطفولة عن طريق حوار دار بين اخوة يوسف وأبيه باسلوب موجز ومعمق.. وهذا المنهج يمكن أن يطرح على شكل أبعاد:
البعد الأول: "يرتع"
هذا الفعل يتضمن الغذاء من أكل وشرب من جهة، والراحة النفسية والانبساط من جهة ثانية، حسب المعنى اللغوي والتفسير القرآني لهذا الفعل.
أ‌- الغذاء:


تحتاج الأسرة الى معرفة الثقافة الغذائية السليمة للطفل لكي تحافظ على صحة أطفالها، يؤكد الاطباء على ضرورة العناية بنوعية الغذاء الصحي الذي يحتاجون إليه والابتعاد عن كل ما يسبب فقدان الشهية لديهم.
ويرى الاطباء إن التغذية السليمة للطفل تتركز اهميتها في السنوات العشر الأولى من عمره، حيث يحتاج الطفل الى الحديد المهم لخلايا المخ كون خلاياه هي الوحيدة التي اذا تعرضت للتلف فإنها لا تعوض فضلاً عن نقصه يؤدي الى فقر الدم وشعور الطفل بالكسل والخمول وعدم القدرة على التركيز.
وهذا ما أكده القرآن الكريم من خلال المنهج التربوي للطفل وعبر عنه بكلمة "يرتع" التي تشير الى الغذاء والراحة النفسية، لأهمية الغذاء في حياة الطفل وكونه أحد أركان البناء الجسدي والفكري له.
ب- الراحة النفسية:وهذا الأمر يعتمد على التربية من جانبها الوجداني الخاص بالعاطفة والشعور عند الطفل الذي يمثل ركناً من أركان الشخصية الانسانية المتكاملة، والتربية الوجدانية تعمل على تنمية المشاعر والأحاسيس بالصورة الإيجابية التي تؤدي الى علاقة ايجابية مع البشر. وللأسرة في هذا المجال دور رئيس في تكوين شخصية الطفل واتجاهاته وسلوكه بشكل عام لأنها تستقبل الوليد ثم تحافظ عليه خلال أهم فترة من فترات حياته وهي فترة الطفولة وهي (الفترة الحرجة في بناء وتكوين شخصية الانسان) كما يقرر علماء النفس، وذلك لأنها فترة بناء وتأسيس. وللأصدقاء في مرحلة الطفولة تأثير من حيث نمو مشاعر الطفل واحاسيسه فهم الفئة الذين يتناغمون معه في نفس المرحلة ويشاركونه ما يحتاج إليه كاللعب. فالطفل يتعلم في جماعة اللعب كيف يعيش في جو جماعي من نوع جديد وفي إطار قواعد اجتماعية جديدة لا سبيل لمخالفتها وإلا نبذته الجماعة.
البعد الثاني: اللعب..



وقد عبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: "ويلعب"، فاللعب استعداد فطري عند الطفل يتم من خلاله التخلص من الطاقة الزائدة وهو مقدمة للعمل الجدي الهادف، من خلال تعامله مع أفراد جنسه، وللعب دور مهم في تعلم عادات التحكم في الذات والتعاون والثقة بالنفس، والألعاب تضيف الى نفسية الطفل البهجة والسرور وتنمي مواهبه وقدراته على الخلق والإبداع، ولذا وردت في القرآن الكريم هذه اللفظة بقوله "ويلعب" لتؤكد على ضرورة إشباع هذه الحاجة، فضلاً عن ما ورد عن المعصومين (عليهم السلام) في هذا الجانب فورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: (دع ابنك يلعب سبع سنين...)، وكذا ورد عن الإمام علي (عليه السلام) قوله: (يرضَ الصبي سبعاً) وقول النبي (ص): (الولد سيد سبع سنين)؛ فالروايات تؤكد على أن مرحلة ما قبل الثامنة من العمر هي مرحلة اللعب وعلى الوالدين أن يحسنا التعامل والتفهم في هذه المرحلة واعطاء حرية اللعب دون ضغط أو إكراه مع الأخذ بنظر الاعتبار إبعاده عن الألعاب الخطرة التي تؤذيه، ومن الأفضل أن يختار الوالدان الألعاب التي يحتاجها الطفل وتكون منسجمة مع رغباته.
وجاء في (بحار الأنوار) إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يشارك الحسن والحسين (عليهما السلام) في فعلهما ويتصرف وكأنه أحدهما فكان الحسنان (عليهما السلام) يركبان ظهر النبي ويقولان: حَلْ حَلْ، فيقول (صلى الله عليه وآله): نعم الجمل جملكما، بحار الأنوار.
البعد الثالث: الامان..
وقد عبرت عنه الآية بقوله تعالى: "وإنا له لحافظون" فالطفل يحتاج بشدة الى الأمن في كل اقسامه، الاقتصادي والأمن الفكري والعاطفي وغير ذلك، ولا يمكن أن يتم نمو الطفل إلا في المحيط الآمن للأسرة، ويصدق على هذا حتى النمو الجسمي أيضاً كما أشارت الى ذلك مختلف الأبحاث والدراسات، وهنا يلعب الأب الدور الرئيس في توفير الأمن للطفل ومن ثم الأم.
والبيت هو المكان والملاذ لجميع أفراد الاسرة عندما تواجههم المشاكل، والأب هو من يكون ملاذاً لأطفاله ويوفر لهم الاجواء الملائمة للحركة والنشاط الذين يسهمان في تفعيل النشاط الفكري للطفل وتوجيهه نحو مجالات مفيدة ودفعه الى الأمام دائماً.
وأخيراً فإن الطفل لا يمكنه التقدم والتحلي بالصدق والأمانة إلا في ظل أجواء توفر له كل شروط النمو الطبيعي من التغذية الممنهجة واللعب المفيد والمحيط الآمن.




     

تعليقات