الاسلوب الوجداني في الوصول الى الحقيقة

*ضياء العيداني

يُعد الاسلوب الوجداني من السبل والطرق لمواجهة الباطل وكشف الزيف والانحراف وهداية الناس الى الصراط المستقيم، هذا الاسلوب يعمل على هز الانسان من الاعماق ويضع كل الحقيقة نصب عينيه، لاسيما ذلك المتعنّت والمتمسك برأي خاطئ أو عقيدة منحرفة، وبامكان الخطباء والكتاب وأصحاب الشأن الثقافي الاستفادة من هذا الاسلوب الناجح لهداية الناس.
وفي القرآن الكريم نجد نمطاً من هذا الاسلوب في تسفيه الأفكار الجاهلية التي غرق فيها اولئك الناس دون ان ينتبهوا الى مدى سخافتها ويدعوهم الى النظر والمقارنة بين هذه الرسالة وبين مجموعة صخور أو اشجار يدور حولها رجال لا يعرفون ديناً ولا يلتزمون مذهباً، وهناك أمثلة كثيرة على هذا الأسلوب منها ما جاء مثلاً في قصة نبي الله سليمان (على نبينا محمد وعليه الصلاة والسلام) مع (بلقيس) ملكة سبأ، التي كان لها عرش عظيم وكان هناك من يطيع أمرها الى حد العبادة وكان يتملكها غرور بنفسها وتاريخها، لأن الشيطان يزين للانسان اعماله – فجاءت الى نبى الله سليمان (عليه السلام) فقال لها: أهكذا عرشك؟ قالت: كأنه هو، ولكنها لم تؤمن بأن العرش العظيم قد انتقل من اليمن الى كنعان (فلسطين) بهذه السرعة ولم تستوعب ذلك، لكن النبي سليمان (عليه السلام) صنع لها قصراً من قوارير ووضعه على الماء، وقال تفضلي؛ فكشفت عن ساقيها تحسب انها تقع في الماء لأن غرورها لم يسمح لها بأن تسأل ماهذا؟ فلما اكتشفت ان هذا ليس ماء، انما قوارير، عندئذ استفاقت من غفوتها وجهلها فاستسلمت في الحال وقالت: "أسلمت مع سليمان لرب العالمين".
فبعض الاحيان يحتاج الانسان الى مثل هذه الهزة والاشارة المباشرة لينتبه الى ما هو عليه علّه يؤوب الى رشده، ومن امثال ذلك ما ورد في قوله تعالى في سورة النجم "أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر ولهم الأنثى تلك اذن قسمة ضيزى"، حيث كانت لديهم فكرة بأن الله ذَكَر ولديه زوجة وبنات حاشا الله سبحانه وتعالى، فأجابهم الله تعالى بجواب هزهم وسخفهم حيث قال ف الآية المباركة: "ألكم الذكر ولهم الأنثى تلك اذن قسمة ضيزى" أي كيف اخترتم المرأة في وقت انها عندكم أقل شأناً من الرجل ولا تقبلوا البنات لأنفسكم؟! أليس في ذلك دليل على انكم لا تحترمون ربكم ولا تحترمون أنفسكم؟ وألا يدل هذا على سخافة فكركم؟!
النبي إبراهيم والإسلوب الوجداني
إتبع هذا الاسلوب نبي الله ابراهيم (ع) في قصته المعروفة عندما حطم الأصنام، ثم وضع المعول برأس كبيرهم فقالوا له: "لماذا صنعت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال لقد فعله كبيرهم فاسألوهم إن كانوا ينطقون"، وبهذا ارجعهم الى انفسهم واعطاهم رسالة بأن آلهتهم لا تنفع، "ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ" فهزهم النبي ابراهيم من ضمائرهم، واوصلهم الى الحقيقة لكنهم هم الذين اصروا على الخطأ بعد ان عرفوها.
مِن فَمك أدينُك
جاء رجل شيوعي الى المرحوم آية الله العظمى السيد أبي القاسم الخوئي (رحمه الله) قال له: سيدنا من يقول أن التناقض غير ممكن؟ - وقد كان غير فاهم للتناقض ولكنه يريد ان يجادل – فقال له السيد المرجع: مارأيك بالتناقض أنت؟ قال: رأيي أن التناقض ممكن؛ فقال له: و رأيي أن التناقض مستحيل، قال: اذن كيف؟ قال له السيد: انت رأيك صحيح وأنا رأيي صحيح أيضاً، فاعترض الشيوعي على قول السيد وقال: لا يصح هذا الكلام، قال له السيد: لماذا؟ قال: لأنه يصبح تناقض في الكلام. فقال له السيد المرجع: هذا هو التناقض الذي تقول عنه ممكن قد أجبت عليه بنفسك.
أبو حنيفة وبهلول
في احد الأيام دخل بهلول دار أبي حنيفة الذي كان يقصده جماعه من طلاب العلوم الدينية يومياً للحضور في درسه الذي كان يعقده فيها و جلس في غرفة الدرس، واخذ يستمع إلى أبي حنيفة، الذي تكلم وقال: اعلموا إن جماعة من المسلمين يعتقدون إن إبليس يُعذب يوم ألقيامه بالنار واني أخالف ذلك، لأن إبليس مخلوق من النار وجهنم هي النار, فكيف تحرق النار نفسها؟، واستأنف أبو حنيفة كلامه فقال: الأمر الآخر الذي لا ارتضيه هو ما تعتقد هذه الطائفة من المسلمين – ويقصد أتباع الامام الصادق (ع)- حيث يعتقدون بأن الله لا يمكن رؤيته، إذ كيف يكون الشيء موجوداً ولا يمكن رؤيته؟، ثم قال بصوت عالٍ: أيها الناس أنهم يقولون بان الله تعالى خالق كل شيء، ومع ذلك يعتقدون بأن الإنسان فاعل مختار في فعله, وهذا يعني الجمع بين الجبر والاختيار وهما مستحيلان عقلا، ثم قال: إعلموا إن كل شيء – في رأيي- هو من الله تعالى, وان الإنسان غير مختار في أفعاله! وقد اقتنع الحاضرون بكلامه فلم يرد عليه أحد، ولكنه فوجئ بحجر من بهلول أصاب جبينه فأدماه, فاضطرب المجلس, والتفت الحاضرون من المقربين لأبي حنيفة الى بهلول والغضب يتطاير من أعينهم من دون إن يجرأ احد على أهانته لقرابته من الخليفة، نظر أبو حنيفة إلى بهلول وقد وضع يده على الجرح والغضب قد استولى عليه, فقال: لأشكونك إلى الخليفة، فأجابه بهلول بهدوء: وانأ اذهب معك أيضا، فقال أبو حنيفة لمن حوله إذن اشهدوا لي عند الخليفة بذلك، فلما رآه الخليفة تعجب من ذلك لعلمه بمكانة أبي حنيفة في بغداد وما له من أتباع، وبعد ان شرح ابو حنيفة للخليفة ماحدث، امتعض الخليفة من فعل بهلول فاصدر أوامره ضده على الفور، وأسرعت الشرطة في البحث عن بهلول فعثروا عليه وهو في طريقه إلى القصر! ولما حضر بهلول المجلس صاح به الخليفة لِمَ شدخت رأس هذا العالم الجليل؟ فأجاب بهلول: لم افعل ذلك، فقال أبو حنيفة – وهو يتلكأ في كلامه كيف تدعي ذلك أيها الظالم؟! إن لي شهودا بأنك شدخت رأسي بحجر, وهذا الألم في رأسي لم يكد ينفك عني، فالتفت إليه بهلول وقال: لا يوجد ألم في رأسك لعدم رؤيته من قبل أي أحد! وأنت كاذب في دعواك لأنك تعتقد بإن الشيء ما لم يمكن رؤيته فهو غير موجود. ثم التفت إلى تلامذة أبي حنيفة قائلاً لهم: إن الحجر لا يمكن إن يؤذي أستاذكم لإن الإنسان من تراب, والحجر من تراب فكيف يمكن إن يؤذي التراب التراب؟، أدرك أبو حنيفة إن بهلول يريد بذلك حرباً في العقيدة شعواء لا هوادة فيها, فأخذت ترتجف جميع أعضائه و فرائصه كمن يرتجف من شدة البرد، ثم قال بهلول لهارون: يعتقد أبو حنيفة بأن الإنسان غير مختار في أفعاله, فلا ذنب لي لأني في نظره غير مختار في ما فعلت، وإذن لا استحق العقاب، فبهت هارون من جواب بهلول ولم ينطق بشيء وبقي أبو حنيفة وهو يلوم نفسه خجلا, لأن بهلول قد سفّه أفكاره بطريقة وجدانية، وقد نكس رأسه إلى الأرض ولسان حاله: إن كل ما نزل بي هو مما جنيته على نفسي.
أفكار التكفيريين تقع في الفخ
ومن الأفكار الخاطئة ما يحمله السلفيون التكفيريون من عقائد فاسدة و منخورة منها قولهم بأن من يموت لا ينفع وإن كان رسول الله!! فكان ممن يسموه عالماً عندهم يلقي بخزعبلات على تلاميذه وكان في مسجد رسول الله (ص) فقال – مشيراً إلى قبر النبي الأعظم – خذ هذا القلم ثم قال لتلامذته: نفس القول فأخذه التلميذ، عندها قال لهم: ان الحي فقط هو الذي ينفع اما من مات فإنه لا ينفع، فقام أحد الجالسين من مكانه قائلاً: ناولني القلم فأعطاه إياه ثم رفع رأسه الى السماء وقال خذ هذا القلم ياربي! فبهث الذي كفر، والحمد لله رب العالمين.


    

تعليقات