التسامح: البداية مع النفس قبل الآخرين

جنة قلبية من لم يدخلها سجن في نار الحقد والكره

*ضياء العيداني


التسامح هو أن تشعر بالتعاطف والرحمة والحنان وتحمل كل ذلك في قلبك مهما بدا لك العالم من حولك وأن تكون مفتوح القلب، وأن لاتشعر بالغضب والمشاعر السلبيه من الشخص الذي أمامك، اي انه يعني الشعور بالسلام الداخل، وأن لا تجد قيمة للكره أو الغضب وانه التخلي عن الرغبة في إيذاء الآخرين بسبب شيء قد حدث في الماضي، وانه الرغبة في أن يفتح عينيه على مزايا الآخرين بدلا من محاكمتهم أو إدانتهم، والتسامح أن تعلم أن البشر خطاؤون ولا بأس بخطئهم، كما هو طلب السماح من نفسك والآخرين، بمعنى السماح هو الجود والصفح والتساهل والغفران، وما أجمل الحياة حين يكون التسامح الغلاف الخارجي الذي يزينها كما النجوم زينة في السماء، وما اجمل الحياة حين يكون التسامح جوهرها العميق من الداخلي فتحف بقلب زاخر بالعطاء، فالتسامح قيمة طيبة عالية بغير التسامح تتكدر الحياة.الصفح عن الآخرين خطوة نحو الصفح عن أنفسنا

اثر التسامح صحياً



أدرك علماء النفس حديثاً أهمية الرضا عن النفس وعن الحياة وأهمية هذا الرضا في علاج الكثير من الاضطرابات النفسية، وفي دراسة نشرت على مجلة (دراسات السعادة) اتضح أن هناك علاقة وثيقة بين التسامح والعفو من جهة، وبين السعادة والرضا من جهة أخرى، لقد اكدت هذه الدراسة أن الذي تعود على التسامح يكتسب مناعة مع مرور الزمن في موقف يتعرض له بعد تعوده لا يحدث له أي توتر نفسي أو ارتفاع في ضغط الدم، الأمر الذي يريح عضلة القلب وينظم عملها، كذلك يتجنب المتسامح، الكثير من الأحلام المزعجة والقلق والتوتر الذي يسببه التفكير المستمر في الرد على من أساء إليه او الانتقام منه.
وهكذا يقول تعالى: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"؛ فالتسامح يزيل سرطان الكراهية من نفوس الناس ويقدم لهم الدليل أيضا على أن العظماء من الأنبياء والمصلحين والمؤمنين ذاقوا المر ولن يتخلّوا عن السماحة، ودعوا إلى نبذ التعصب والعنف الذي يعمي العقول قبل العيون ويولد المشاعر السلبية تجاه أبناء البشرية عموماً ثم ينتهي إلى نبذ الآخر ولو كان من نفس الدين و المذهب، وعلينا نحن البشر أن نتحلى بروح التسامح الذي هو التصالح الهادف لإزالة الأحقاد الدفينة، فالتسامح هو فعل من مجني عليه تجاه الجاني وأساسه التحول من موقف سلبي إلى موقف إيجابي.

التسامح عند الإمام الحسين (ع)

يقول الإمام الحسين (عليه السلام): (لو شتمني رجُلٌ في هذه الأُذُن - وأومأ إلى اليُمنى- واعتذر في اليسرى، لقبلتُ ذلك منهُ، وذلك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حدثني أنهُ سمع جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (لا يردُ الحوض من لم يقبل العذِر من مُحقٌ أو مبطل).
نعم؛ قد نحفظ هذه الكلمة، وغيرها من المقولات العظيمة الواردة عن أئمة البيت (عليه السلام)، لكن أين نحن عن التأسي والإقتداء؟ فماذا سيفعل الواحد منَّا لو تعرض لشتيمة شاتمٍ؟ فلنسأل أنفسنا بصدقٍ هذا السؤال، لنتعرف عن مدى تمسكنا بتعاليم أهل بيت العصمة (صلوات الله عليهم أجمعين)، فمعرفتنا لمواقفهم الشريفة، وحفظنا لكلماتهم العظيمة، لن تغنيانا شيئاً إن نحن عملنا ما يخالفها.
روي أنّ غلاماً للإمام الحسين (عليه السلام) ارتكب جناية كانت توجب العقاب، فأمر بتأديبه فانبرى العبد قائلاً: يا مولاي! والكاظمين الغيظ، فقال (عليه السلام): خلّوا عنه، فقال: يا مولاي والعافين عن الناس، فقال (عليه السلام): قد عفوت عنك، ثم قال يا مولاي والله يحب المحسنين، فقال: (عليه السلام): أنت حرّ لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطيك)، وهذا ليس بغريب لأن اهل البيت (عليهم السلام) وهم التطبيق العملي لآيات الذكر الحكيم.
التسامح ليس فقط من اجل الآخرين، ولكن من اجل أنفسنا وللتخلص من الأخطاء التي قمنا بها، والإحساس بالذنب الذي مازلنا نحتفظ به داخلنا، ومعناه العميق هو أن نسامح أنفسنا، ان الحديث عن التسامح، هو حديث عن القوة والايمان والعزيمة والتقوى، وهو ليس حديثاً عن التنازل أو الضعف أو التهاون، كما يحلوا للبعض أن يفسره! إنه يعني الاقرار بحقوق البشر جميعا فوق سطح الكوكب، وكذلك الاقرار بالاختلاف وبالارادة وحرية الاختيار، فالتوافق الذاتي هي قدرة الفرد على التوفيق بين دوافعه وبين أدواره الاجتماعية المتصارعة مع هذه الدوافع بحيث لا يكون هناك صراع داخلي، أما التوافق الاجتماعي أو التوافق مع البيئة الاجتماعية أو الوسط المحيط فيعني قدرة الفرد على التكيف مع البيئة الخارجية، سواء كانت بيئة مادية أم بيئة اجتماعية؛ فالشخص العنيف هو الذي فقد التوافق الذاتي والداخلي فاختلت لديه بنفس الوقت العلاقة مع الآخر، حتى انفصمت تلك الجدلية بينه وبين ذاته، وبينه وبين الآخر، بينما الصفح والمسالمة هما قمة التوافق النفسي مع الذات ومع الآخر.

تعليقات