الفهم الحقيقي لرمضان



 * ضياء العيداني

ما إن نقترب من الشهر الفضيل شهر الخير والعطاء حتى يتسارع الناس للاستعداد لهذا الشهر، فبين شراء المواد الخاصة به، وغيرها من الاستعدادات، كما تنهال القنوات التلفزيونية على استعراض برامجها للمتلقي، برامج رمضانية خاصة، وهذه البرامج تختلف من حيث طرحها وتوجهها، فبعضها ديني وآخر كوميدي وآخر تراجيدي، ولكن الطامة الكبرى في هذا الشهر هو عرض البرامج التي لا تنتمي الى عائلة هذا الشهر الفضيل، من دراما كوميدية اتخذت الهزل اسلوباً في طرح النقد السياسي والاجتماعي، ولكن بصورة إباحية وماجنة يمثل الرقص احد اركانه، فضلاً عن الغناء.
رمضان دورة ربانية لعودة النفس
ان طبيعة الانسان الخطأ، فهو بمرور الأشهر قد اقترف اخطاء بحق ربه والناس ونفسه، وفي هذا الشهر علينا ان نراجع انفسنا ونصلح مابيننا الله وما بيننا وبين الناس، وبخاصة ان فيه الصبر وتقوية الإرادة التي تعرضت الى الضعف في باقي الأشهر، فيمكن استعادتها في هذا الشهر وان الارادة هي محور الإيمان الذي به ينتهي العبد عن الموبقات ويستمر على الطاعات، ومن هنا كان في شهر رمضان جانبان الأول مادي بالامتناع عن الأكل والشرب، وفيه تذكرة للفقراء وصحة جسدية، والآخر معنوي يتم الامتناع فيه عن الذنوب والتعويد على الصبر وغض البصر وترك آفات اللسان، وغيرها حتى تتطهر نفسه من الادران.
شهادة تخرج

ولذا بعد ان ينتهي هذا الشهر فإن الناس فيه على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول:

 من لم يحظ في هذا الشهر ولم يتوفق الى صيامه وهذا قد حرم من فضيلة هذا الشهر ايمّا حرمان؟
الصنف الثاني:

والذي صام هذا الشهر عن الأكل والشرب فقط، ولكنه لم ينته عن الغيبة والنميمة واكل الحرام والغش ولم يراجع نفسه، على مدى هذه السنة لكي يصحح مساراتها، بل اكتفى بالامتناع عن الاكل والشرب، وهذا بطبيعة الحال لم يصل الى الهدف الحقيقي الذي من اجله اراد الله تعالى لعباده ان يصوموا وقد ينطبق عليه الحديث الشريف: (كم من صائم ليس له من صومه الا الجوع والعطش).
الصنف الثالث:
إن صاحب البصيرة يرى أن هذا الشهر الكريم هو فرصة عظيمة لمن يوفقه الله – تعالى- لصيامه وقيامه. وإن المسلم في أمسِّ الحاجة لمكفِّرات الذنوب وغفرانها حتى ينجو من النار ويدخل الجنة فكان أن أنعم الله سبحانه وتعالى عليه بقيام رمضان ليغفر له ذنوبه ويكفِّرها فيبعده عن النار ويفوز بالجنة ويحوز على رضوان الله – عز وجل، لذلك نجد المؤمن في هذا الشهر يمتنع عن الاكل والشرب والسب والطعان حتى انه اذا تعرض الى شيء قبيح قال (اللهم اني صائم) واستعاذ من المكروهات وابتعد عن المحرمات فقوية ارادته وزاد ايمانه فأنزل الله تعالى عليه النفحات الربانية ليتخرج من هذا الشهر حاملاً اجره في يد وقوة ايمانه في يد اخرى.
القنوات الفضائية تسرق اوقات الصائمين
هنا يجب أن نسطر هذه الحقيقة المؤسفة، وهي أن معظم وسائل الإعلام، تقوم بتشويه الوجه الحقيقي لشهر رمضان المبارك، وتغيير ملامح رسالته للأمة، وذلك عن طريق تصويره للناس بأنه ضيفٌ ثقيل، يحتاج مستضيفوه إلى الكثير من الترويح عن النفس حتى يستطيعوا تحمّل وطأته، وحتى يمر بسلام، والأدهى والأمر أن الاستعدادات تجري على قدم وساق للتزاحم على أبواب رمضان قبل قدومه بأشهر؛ ليس لاستنهاض الأمة؛ بل لحرفها عن توجهها، وكأن الوضع الأليم الذي تعيشه الأمة الإسلامية تغيِّره المسلسلات التافهة ذات المضامين الرخيصة والأعمال غير الفنية التي همّها إثارة الغريزة الجنسية، ومن هنا ينبغي على القنوات الاسلامية تهيئة البديل للمشاهد وبخاصة في هذا الشهر الكريم، عن طريق طرح البرامج الدينية والدراما الهادفة التي يطرح من خلالها ابعاداً تربوية، على شكل حلقات في كل حلقة موضوع عن درس اخلاقي، مثل بِر الوالدين او صلة الرحم في هذا الشهر او افطار صائم وغيرها من المواضيع المهمة والمفيدة، والتي تتناسب وقيمة هذا الشهر، كما يمكن استيعاب الكادر التمثيلي الموجود ودعوته للتمثيل الهادف، لتكون هناك وقفة أمام النسخة الماجنة والداعرة لبعض الفضائيات التي توحي بان الناس متعطشون لرؤية مشاهد الهزل الهابط ونكء الجراح والتشهير بالمعاناة كما لو انها أمر طبيعي، وهم بالحقيقة كمن يستهزئ بانسان معقوق في رجله أو عينه ويقوم بتمثيل مشيته وحركاته أمام الناس!




     

تعليقات