كيف نستمع الى الهدوء ؟!

  
  
 

 إعداد: ضياء العيداني

كثيراً مانرى اشخاصاً صامتين، فهل هم كذلك؟
بالطبع ان هناك اشخاصاً لا يتكلمون وصامتين ولكن ليس بالضرورة أن يكونوا هادئين، فهذا الصمت لديهم ربما يكون سكون وجمود (تعقبه العاصفة)! بينما الهدوء غير الصمت، لأنه يشمل الهدوء الداخلي للنفس، الذي ينعكس على الآخرين وليس لكثرة الكلام دخل في ذلك، وفي معظم الاحيان يفضي الى عطاءات وأعمال ايجابية وبناءة للمجتمع.
معنى الهدوء...

إذا كان كل ما حولك من ظروف وحالات وأوضاع شخصية، يحتم الهدوء ويفرضه، يصبح من السهل أن تكون هادئاً، غير أن الهدوء المحبب هو شيء غير هذا: أنه موقف تتخذه في داخلك، في سريرتك، في قرارة نفسك رغم المعارضات التي تقاومك، والمصاعب التي تواجهك، والمزعجات التي تبلبلك، والأحزان والمصائب والأرزاء التي تتألب عليك في ساعة أو ظرف أو زمن. إنه ضرب من “التماسك” الذاتي الصميم يجعلك تجاه الحادث المؤلم، كأنه لم يحدث.
هذا الهدوء لا يتم في أن تحلم به، وإنما يتحقق بالاجتهاد الدائم الدائب في كل لحظة، بالانقطاع عن الماضي وما فيه من دواعي الندم والأسى والاضطراب، بتغيير نظام الحياة اليومية، واقتلاع العادات المتأصلة، والانصراف أخيراً إلى العمل والإنتاج، ثم يجب أن لا تخلط بين الهدوء واللامبالاة، أو بين الهدوء وبلادة الحس، فالهادئ هو الذي يضع السدود أمام أحاسيسه ويحفر لها القنوات التي تسير فيها، ويوجهها لما فيه سروره وسرور الناس من حوله، وبلادة الحس تعني عدم المبالاة بأي حدث مهما كان وعدم اتخاذ أي موقف حيال الحدث.
كما ان الهدوء يمثل انسجاماً ما بين العقل الباطن بما يحتويه من رغبات و بين الضمير المؤنب و الحارس على ما نفعله من أخطاء، و لكي تكون هادئا عليك أن تكون مستقلا نفسياً، ولكي تكون مستقلا عليك أن تكون سندا لنفسك، ابتعد عن رغبات الناس من رضا أو غضب وانظر لما تحس به و أنت بعيدا عنهم، وهذا يتطلب قوة نفسية يمكن ان تتحقق بتحقق امرين:
الأمر الأول: الطاقة، وهي الحياة و القدرة على تغيير الحركة، الطاقة هي كرأس المال للتاجر أو لأي شخص، فإذا ما استنفذت عبثا أفلس صاحبها و يعجز صاحبها أن يواجه مشاكله بلا مال أو بلا طاقة عصبية تساعده على التحمل و التفكير، لذلك فعلينا دعم طاقتنا بكل صور راحة البال لإن للأفكار قوة ضخمة تتمثل في أفكارنا و مخيلتنا و خيالنا في الحياة اليومية ( أحلام اليقظة )، جرب هذه القوة من خلال تخيل حبة ليمون أمامك في الخيال فقط.. اقطعها و اعصر النصف الأول في كأس، ارتشفه رويدا رويدا فهو حامض، خذ النصف الآخر و انتزع منه البذور بطرف السكين الذي معك، اقضم هذا النصف الآخر مرارا.. ها هو لعابك يسيل.. و هذه هي قوة الخيال.
الأمر الثاني: ضع لكل حادث تفسيرا أو تعليلا بانتباه عقلي و إياك أن تحاول نسيا حادث غير سار مهما كان مؤلما، كتابتك لهذه الحوادث ينقلها من العقل الباطن إلى الخارج و يجعلها تتبخر كالماء و هذا يحافظ على انسجامك و توازنك و هدوءك الداخلي، كما أن قراءتك لما كتبته و تفكيرك به و انتباهك لما حدث معك سيعطيك الحل في كيفية التصرف السليم بدلا من الإستسلام لعواطف الألم و الكراهية بلا فائدة، فالكئيب هو من يستسلم لعواطفه و الحقود هو من يسر لمشاهدته آلام الآخرين، و ارتكابنا للأخطاء يرجع في أسبابه لعدم الإنتباه العقلي في التفكير، فالتركيز المستمر و المكثف أمامنا لحل المشكلات و تدريب عقولنا على كيفية العمل بالأزمات هو عنصر أساسي في الإبداع، على أن يرافق ذلك العمل تطبيق أفكار جديدة بعد التوصل إليها فالفكرة بلا عمل كالبذور بلا أرض، علينا أن نفتح وجداننا للحياة حتى ولو كانت مؤلمة و هنا تكون السعادة التي صنعناها بعقولنا الحساسة، و متى بلغت للمرحلة التي تتحكم فيها بوعي و انتباه لكل حركاتك فأنت بذلك تسيطر على الحياة و تستمتع بها و تتذوقها، حاول أن تدرب نفسك على ذلك من خلال تمارين التركيز والتأمل والإسترخاء لتحسين قدرتك على ملاحظة ما لم تكن تلاحظه من قبل مسبقا، راقب و انتبه لنفسك و اعرفها جيدا لتحسينها و تحصينها فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
صديق الطموح

والهدوء الداخلي أهم أصدقاء الطموح؛ لأنه يطرد الجزع والتكالب على الدنيا، ويزرع اليقين بحسن تدبير الخالق، والاطمئنان والتفاؤل، وحسن الظن بالله عز وجل دائما.
ولنتذكر أننا جميعا لا حول لنا ولا قوة، وأن الخالق سبحانه وتعالى بيده كل مفاتيح النجاح والسعادة فلا نهين أنفسنا بتوهم أن مصائرنا بيد أحد من البشر، وأنه يملك لنا ضرا أو نفعا؛ مما يستوجب تقديم تنازلات "بشعة" له ليحقق طموحاتنا.
ولا نؤذي أنفسنا بتحميلها ما يفوق طاقاتنا، فعلينا بالدعاء للخالق بالتوفيق في الأخذ بالأسباب، ثم إتقان السعي بشموخ المؤمن وعزته، وألا نتأله على الخالق ونتوكل على الأسباب، بل نتأدب مع الخالق، ونتذكر بأن الخالق وحده الذي يمنحنا القدرة على الأخذ بالأسباب بدءا من الخلق ونعمة العقل والطاقات العقلية والنفسية والاستمرار على قيد الحياة.
والثقة بأنه عز وجل يختار لنا الأفضل دائما في أحسن توقيت، فنسعى بأحسن ما يمكن، ونثق أنه سبحانه وتعالى سيرزقنا في أحسن توقيت متى أيقنا بذلك؛ وهذا ليس كلاما دينيا فقط، بلترجمة واقعية لما عايشته بنفسي عبر سنوات طوال؛ حيث اقتربت من الكثير ممن يشار إليهم بالناجحين، ووجدت الاضطراب الداخلي ينهش عقولهم وقلوبهم بقسوة لم أتخيلها أبدا.
ومن مصادر الاضطراب الداخلي: عدم ترتيب الأولويات، والسماح للصغائر بالتهام طاقاتنا وسرقة أعمارنا، فلنكن أذكياء ولا نسمح لها بالإقامة في حياتنا، ولنطردها أولا بأول، ولنحرص على أخذ الثواب لذلك؛ فالرحمن يحب المعالي، ويبغض السفاسف.
الهُدُوءْ سِمَة ُ ُمِن سِمَاتِ النـّجَاح

وَالهُدُوءْ تـَعْبـِيرُ ُعَنْ شَخـْصِيَّة ٍ قـَويَّة وَمُتـَمَاسِكَة وَالهُدُوءْ عِنـْوَانُ ُلإنـْسَان ٍ وَاعِي!، وَبـِالعَكْس تـَمَامــًا ذلِكَ الإنـْسَانُ الـَّذِي يَفـُورُ لأتـْفـَهِ الأسْبَاب، وَيَهـِيج لأسْخـَفِ الأمُور، فـَإنـّهُ يُعْتـَبَر إنـْسَانُ ُضَعِيفُ الشـّخـْصِيَّة، ضَعِيفُ العَقـْل، وَضَعِيفُ الإرَادَة. .
يَقـُول عُلـَمَاءُ النـّفـْس : إنّ الإنـْسَانَ الذِي يَغـْضَبْ لأتـْفـَهِ الأسْبَابْ هُوَ إنـْسَانُ ُرَكِيكُ الشـّخـْصِيّة، فـَالإنـْسَانْ الهَادِئْ هُوَ الـَّذِي يَسْتـَطِيع أنْ يَفـُوز بـِقـُلـُوبِ الآخـَرين
لأن العُنـْفْ يُوَلـّد العُنـْفْ، وَالغـَضَبْ يُوَلـّد الغـَضَبْ، أمّا الهُدُوءْ فـَإنـّه يَطـْفِئْ الغـَضَبْ كَمَا يَطـْفِئْ المَاءُ النـَّار.
وَاسْتـَخـْدَم لـَبَاقـَتـُكَ مَعَ المُسِيئِين إلـَيْك، وَتـَكَلـّم بـِعِبَارَاتٍ رَزينـَة وَودِّيَة، فـَهَذا هُوَ أقـْصَرُ الطـّرُق لِكَسْبِ الآخـَرينْ وَنـَيْل إعْجَابَهُم، لأنك أنـْتَ المَسؤُول عَنْ طـَريقـَة مُعَامَلـَةِ النـّاس لـَك، عَبِّر عَنْ غـَضَبـِك، وَلـَكِن بـِحِكْمَة. . فـَإنْ كَانَ وَلابُد مِنْ العَتـَبْ فـَبـِالحُسْنـَى، وعلينا ألا نقسو على أنفسنا إذا اكتشفنا تورطنا في الانشغال بالصغائر؛ فكما قيل عن حق: لا نستطيع منع الطيور من التحليق فوق رؤوسنا، ولكن نستطيع منعها من بناء الأعشاش فوق رؤوسنا؛ لذا علينا طرد طيور الصغائر وغربان الأحزان والمنغصات أولا بأول، حتى نعيش الهدوئين الهدوء الداخلي والخارجي لكي نحيا سعداء.




     

تعليقات