التسامح لغة العائلة الناجحة

   
ضياء العيداني
تحدثنا في العدد السابق عن التسامح مع الآخرين وتسامح الشخص مع ذاته، اما في هذا العدد فسنتحدث عن التسامح في إطار الأسرة، الذي يبعث على المحبة والألفة والوئام في الوسط العائلي، حيث أن المفتاح التربوي هو البداية الحقيقية لتعزيز قيم التسامح، من البيت، من الأسرة الصغيرة، في تسامح الأبوين مع بعضهما بعضاً ومع الجيران، في تسامح أفراد الأسرة مع بعضهم بعضاً، ومنها تمتد الى المجتمع فيسوده تشريع عادل لجميع فئات وعناصر وطوائف المجتمع ونظام سياسي يكفل حقوق وحريات الجميع على قدم المساواة.
إشاعة ثقافة التسامح إنما تبدأ من الأسرة، فالبيت له أثر كبير في هذا الجانب فإذا كانت العلاقة بين الآباء والأبناء تقوم على لغة التسلط والإكراه والاستبداد فمن البديهي أن البيت الذي تغيب عنه أجواء التسامح يكون عاملا في نشر ثقافة العنف. من ناحية أخرى تسهم ثقافة التسامح في تعزيز مهارات الاختيار الصحيح عند الأفراد، فمن الممكن أن يختار الفرد أو الزوج مثلا الرد بالعقوبات القاسية والتجريح والضرب وربما بالسكوت والعفو وهذه لا تجعل الفرد أمام طريق واحد مسدود كما هو الحال لدى مريدي ثقافة العنف.


المحطة الاولى مع والديك:
لكي تكون عائلة ناجحة وتبحر في المياه باستقرار بعيداً عن الامواج التي تعصف بالعائلة الى الانهيار والانفكاك، لابد من مراعاة بر الوالدين، لأنهما قدّما احسانهما مقدماً لولدهما، حيث لم يأت احد الا وكان طفلاً يحتاج رعاية فما من احد إلا وتعرض الى رعاية ابوية، متمثلة بحضن الأم وكد الرجل، لذلك فالأولاد مطالبون برد الإحسان الى والديهما قال تعالى "هل جزاء الاحسان إلا الإحسان"، ولم يقرن الله تعالى إلى عبادته وحده شيئا سوى الإحسان إلى الوالدين، ولم يعطف شكر أحد إلى شكره وهو مصدر كل نعمة وخير وفضل وعطاء سوى شكر الوالدين:قال تعالى :"وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً" وقال تعالى: "أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ"، والأخبار في ذم العقوق اكثر من أن تحصى، وورد في بعض الأخبار القدسية: "بعزتي وجلالي وارتفاع مكاني! لو أن العاق لوالديه يعمل باعمال الأنبياء جميعاً لم أقبلها منه ". وروى أيضا: " أن اول ما كتب الله في اللوح المحفوظ: إني أنا الله لا اله إلا أنا، من رضي عنه والداه فانا منه راض، ومن سخط عليه والداه فانا عليه ساخط "، ثم إن العاق لوالديه لا يقتصر فشله في الدنيا فقط بل في سكرات الموت ويوم القيامة ودلت الأخبار على أن من لا ترضى عنه امه تشتد عليه سكرات الموات وعذاب القبر.

آثار التسامح الدنيوية
قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن أهل البيت ليجتمعون ويتواسون وهم فجرة فيرزقهم الله، وإن أهل البيت ليتفرقون ويقطع بعضهم بعضاً فيحرمهم الله وهم أتقياء، وما هذا الحديث إلا دعوة الى التحابب والتسامح فيما بين الأسرة الواحدة والاقارب، لكي تموت ادران الحقد والحسد فيما بيننا، وتسود المحبة والألفة بدلاً عنها، ثم إن للوالدين الدور الرئيس في غرس صفة التسامح بين الاولاد واول خطوة في ذلك ان يكونا عادلين في المعاملة بينهما حتى تتكامل شخصية الاولاد والتسامح من صفات الشخصيات السوية.

درجات التسامح:
إن للتسامح ثلاث درجات كل واحدة ارقى من الأخرى ولو طبقت لكانت العوائل تعيش الحياة الهانئة وهذه الدرجات هي:

التسامح بعد العتاب:
وهي الحالة التي يعاتب بها الشخص من أساء إليه ثم بعد ذلك يغفر له ذلك الذي يحدث حينما يرى الفرد شخصاً يسيء إليه عامداً، فيعفو عنه ويتجاوز عن سلوكه السيء في سبيل الله، وفي سبيل القيم الإنسانية السامية: (خُذِ العفو وأمر بالعرف وأعرضْ عن الجاهلين) (الأعراف/199).

الصفح:
اما الدرجة الثانية فهي أعلى وأسمى مرتبةً من سابقتها، وفيها يترفع الفرد عن رؤية الإساءة، فلو أساءت زوجته أمامه يحاول جاهداً أن يفعل شيئاً يُفهم منه بأنه لم يَرَ تلك الإساءة بالمرة كي يعفو عنها، وهذا ما يسمى بالصفح، وقد قال فيه القرآن الكريم: "وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبّون أن يُغفر الله لكم"، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تجاوزوا عن عثرات الخاطئين يقيكم الله بذلك سوء الأقدار)، وقال أمير المؤمنين عليّ"ع" بصدد الصفح: (ما عفا عن الذنب من قرعَ به)، وجاء في الخبر أن الأفراد الذين يعفون سيعفو الله عنهم يوم القيامة، أما الذين يصفحون، أي لا يعاتبون المسيء أبداً، وكأنهم لم يروا منه إساءة، يتجاوز الله عنهم، ولا يذكر مساوئهم بالمرة ويدخلون الجنة بدون حساب.

الإحسان:
ويمثل الدرجة الثالثة وهو الذي يعمل به الخاصة من المسلمين من الذين بلغوا مقامات ومراتب لم يبلغها عامة الناس فهو: الإحسان لمن أساء إليهم: "ويدرؤون بالحسنة السيئة" أي يدفعون بالطاعة المعصية، أو بالحلم الجهل، وقد كررت هذه الآية في عدة أماكن من القرآن الكريم، قال تعالى "ادفع بالتي هي أحسن السيئة" وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أحسن إلى من أساء إليك).
ومن هنا نفهم ان البيت هو الرحم الذي يولد منه الاشخاص المتسامحين فلا ينبغي التقليل من قيمة هذا الصرح العائلي العظيم لكي ننتج اسراً ناجحة بأفرادها متسامحة حتى يكون المجتمع مجتمع الاخوة والسلام والمحبة والاحسان.




     



تعليقات