فهم الطرائق الصحيحة، ضمانة لحل المشاكل الزوجية


 *ضياء العيداني

تتعرض كل اسرة الى موجة من المصادمات والنزاعات داخل السقف الواحد، والمشكلة لا تكمن في نفسها، لأن المشكلة تحصل في كل عائلة، ولكن الخطورة في نشر هذه المشاكل خارج حيز الأسرة وخارج نطاق الزوجين، وأيضاً في الطريقة التي يتعامل الزوجان بها لحل المشكلة، فهنالك المرأة الثرثارة والتي تفضفض للقريب والبعيد ولا تصمد امام حفظ اسرار البيت ومشاكلها، وكذا الحال بالنسبة الى الرجال، والصحيح هو؛ إنه عند وجود اي مشكلة بين الزوجين اللجوء الى حلها بأنفسهما دون تدخل طرف ثالث، لأنهم الأعلم بمكانة كل واحد للآخر، والأعلم بقوة علاقتهما، فكم من نزاع يدور بين الزوجين، ثم مايلبث ان يزول بمجرد التصالح بينهما ثم ينسى الاثنان ما وقع بينهما لوجود رابطة الحب القوية، فعندما تخطأ المرأة بحق زوجها وتهمل واجباتها التي رسمها لنا الإسلام في الأسرة، على الرجل ان يحاول حل هذه المشكلة بنفسه بعيداً عن الاجواء الخارجية، وقد أكد هذا المنهج القرآن الكريم بقوله: "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليًا كبيرًا"، ولعل الموعظة هي العلاج الأول، حيث كثير من النساء يعملن خطأ بسبب الفهم الخاطئ او الجهل، فهنا يبين الرجل لها الحقائق ويعظها، ويبين لها سبل الرشاد الصحيح داخل الاسرة، فإن لم ينفع فيخرج الحل الثاني وهو حل نفسي، يتمثل بهجرها في المضجع، لعلها ترجع الى رشادها، فإن لم ينفع فالضرب، وكل هذه الحلول يطرحها القرآن الكريم للرجل مع زوجته بدون تدخل اي طرف لأنهما الأعرف بمصلحتهما وحفاظاً على سير زواجهما، ثم ان تم الصلح فخير على خير أما اذا لم يتم فهنا ينبغي تدخل اقرب الناس واعرفه بمصلحة الاسرة وحالها وهما الأهل الذي اشار اليهم القرآن الكريم بقوله: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرًا" (النساء: 34-35).
من هنا فإن نقل المشاكل الزوجية خارج نطاق الأسرة والحياة الزوجية بمعنى صبّ الزيت على النار، وخلق العدواة والبغضاء بين الزوجين، فيذهب بما بقي من أواصر المحبة بينهما، بينما كتمان الزوجين لمشاكلهما يعقبه السلامة، وصبرهما على كتمان المشاكل أيسر من الندامة على طرحها للآخرين، وإن نفد الصبر على كتمانها ثم عجز الاثنان عن إيجاد العلاج له بنفسيهما، فينبغي ان يتدخل طرف ثالث وهو الاهل (حكماً من أهله وحكماً من أهلها) وهذان الحكمان هما الأقرب لأن يصلحا ما قد فسد ويقوما ما قد أعوج.

المكاتب الاستشارية، خشبة النجاة

ان الإسلام يهتم ببناء الاسرة اكثر من هدمها ولذلك عندنا في مذهب الإمامية لا يجوز الطلاق بمجرد نطق الكلمة، كما هو في بقية المذاهب ومن حيث المهر يستحب ان يكون قليلاً لأن فيه بناء اسرة، ومن هذا المنطلق؛ فإن الاسلام الحنيف يدعو الى التسهيل في الزواج لأن فيه بناء الأسرة ويصعب في نهايتها وبخاصة في الطلاق لأن فيه هدماً للأسرة، لذلك اذا لم يفلح الزوجان في حل المشكلة ولم يفلح تدخل الأهل ينبغي سلوك طريق آخر، وهو مايكون عن طريق الحكماء، ويمكن ان يكون في الوقت الحاضر عن طريق مكتب استشارات اجتماعية، ونحن اليوم نشهد الاستشارات الأسرية والعائلية عبر المواقع الإلكترونية، ولكن - في العراق خاصة – لا توجد هناك مكاتب استشارية ومكاتب التوفيق الاجتماعي كما هو المعمول به في بقية الدول، وهذه المكاتب مهمة حقيقة في وقتنا الحاضر حيث يتم عرض المشكلة على باحث اجتماعي يدرس الموضوع من جميع جوانبه ثم يعطي الحلول المناسبة، فقد يكون عند الزوجين فهم خاطئ، فيُصحح من قبل المستشار والحال إن كل شخص يحتاج الى استشارة، وخاصة بمواضيع كهذه وأخذها من ذوي الاختصاص فسوف تكون نافعة أكيداً، ثم لماذا لم يكن سعي لفتح مكاتب تأهيلية للمقبلين على الزواج، يتم فيها تعليمهم حقوقهم وواجباتهم وفنون حل المشكلات وفهم اسباب المشاكل، وكيف يضع الزوج النقاط على الحروف اذا تعرض الى مشكلة وكذا الحال بالنسبة الى الزوجة، فهناك الكثير ممن اهتم بنسب الطلاق في كل سنة في الدولة الفلانية وغيرها، ولم يهتموا في كيفية حل هذه النسبة او الوقوف على اسبابها سواء أكانت مادية أم معنوية منبعها الجهل المقيت، أو عدم معرفة الحقوق من الواجبات.

الباحث الاجتماعي في المحاكم

ان عمل الباحث الاجتماعي مساند لعمل القاضي بالنظر لكل دعاوى الطلاق وغيرها اذ يعمل على التوفيق بين الزوجين ومعرفة الاسباب الحقيقية للدعوى ويعد دوره كالوسيط بين القاضي والاسرة من جهة وبين افراد الاسرة نفسها من جهة اخرى وهنا يؤمن للباحث الاجتماعي فرصة للاصغاء اكثر لصاحب المشكلة حيث ان طبيعة عمله القضائي تقتضي ذلك ويقوم الباحث الاجتماعي بزيارات ميدانية لاصحاب العلاقة مما يتيح له التعرف على المشكلة عن قرب ودراسة البئية الصحية والاجتماعية لصاحب المشكلة او الاسرة وذلك لربط المعلومات والتحليل للوصول الى الحل المناسب ويقوم بتقديم تقرير مفصل عن الحالة التي تابعها ويكشف للقاضي الاسباب الحقيقية للمشاكل ويمكن اعتبار تقريره كتقرير الخبير الذي يستعين به القاضي في اجراءات المحاكمة والحكم وكذلك في قضايا الحضانة، ولكن مانراه اليوم هو ان الباحث الاجتماعي لا يهتم كثيراً بمتابعة اسباب الخلاف وإعطاء الحلول التي يمكن ان تسهم في التوفيق بين الزوجين، خاصة وإن كثيراً من العوائل لم تصل الى قناعة وثقافة كافية في إمكان إيجاد الحلول فيعمد الى التهرب من الباحث بكل وسيلة.
وأخيرا:

إن على الزوجين التواصي دائماً بما فيه صالح حياتهما الزوجية، ومن ذلك التواصي بحل مشكلتهما في داخل البيت قدر الإمكان وعدم نقل أسرارهما العائلية خارج عش الزوجية، لأن حفظ أسرار البيت من أهم عوامل نجاح الحياة الزوجية واستمرارها.
 

تعليقات