الحوار... وقود العلاقات الاجتماعية


 
الاسرة هي نقطة الانطلاق الأولى التي تعزز ثقة الفرد في التواصل مع الآخرين، بل النواة الاساسية التي يتشكل فيها تعامل الفرد مع الآخرين، فمنها تنطلق اسس التربية وتنعكس على الاولاد، ومن بين هذه الاسس (الحوار)؛ الذي اذا افتقد في الجو الاسري؛ فإنه من الصعب ان يجده الانسان مع الآخرين خصوصاً عند غياب المفاهيم الايجابية ووجهات النظر وتبادل الآراء السديدة داخل الأسرة الواحدة لأن ذلك يؤدي الى الإذلال وفرض الآراء بالقوة.هناك أسر تفتقد الحوار الأسري بل تحرمه سواء أكان بين الزوجين ام بين الآباء والابناء، وكثير من الاسر يعاني ويلات هذا السلوك، ولا يعلمون ان الحوار يمثل عنصراً اساسياً من عناصر استقرار الاسرة وتماسكها، وركيزة لابد منها في التعامل الحضاري الذي يقود الى الحياة السعيدة، فالصداقات تتوطد وتقوى في ظل التفاهم والوضوح ومراعاة كل واحد لظروف الآخر وتتعزز الثقة بين الاطراف كافة أكثر فأكثر إذا سادت اجواء التفاهم حتى الطفل الصغير يثمر معه الحوار ويأتي بنتائج ايجابية يعكس اسلوب القسوة والضرب، ومما لاشك فيه ان اسلوب التفاهم يترك اثراً نفسياً إيجابياً بعكس اسلوب القهر والإذلال الذي يخلق آثاراً سيئة عن هذا الجانب.

حوار الوالدين مع الابناء

ان السلوك السلبي للابناء يكمن وراءه جهل الوالدين بالأسس التربوية السليمة وقلة خبرتهم في التعامل مع الابناء، ونزعة تقليد الآباء في الاساليب التربوية، واحياناً ينتج هذا التصرف نتيجة العصبية المفرطة او الانفعال الزائد، او بسبب بعض الأمراض المزمنة التي تدفعه لهذا السلوك.



وربما يكون الدافع هو العامل النفسي لدى الاب الذي يريد ان يظهر بمظهر القوة والحزم امام الآخرين لابراز ثقته بنفسه حتى يقتنع بأنه غير متهاون في الأمور التربوية، ولا يقبل اي نوع من الحوار والتفاهم مما يتولد لدى الطفل نوع من الاحباط والكراهية والسخط والعدوان، والبعض من الاطفال تجعله التسلطية في التعامل وعدم اعطائه الفرصة للحوار الى ان يكون شخصاً غير سوي يتصف بالتردد وعدم القدرة على التفاعل الاجتماعي مع الآخرين فيلجأ للانسحاب او الانطواء مما يجعله عديم الثقة بنفسه مستقبلاً.ولتجنب مخاطر هذه المشكلة لابد ان يتعود الوالدان على اسلوب هادئ للتعامل يتسم بالتفاهم وروح المحبة على ان يفهم الطفل ما هو صحيح فيتبعه وما هو غير مقبول ليجتنبه، وذلك لا يكون إلا بالحوار سواء اراد الآباء ان يكرسوا فضائل في اخلاق ابنائهم ام رفع رذائل اتجه اليها الابناء سهواً او عمداً، ولابد ان يدرك الابوان ان الاهانة والتجريح لايصححان السلوك المعوج بل على العكس يؤسسان لسيادة السلوك المنحرف وليعلم الجميع ان اسلوب التوبيخ والإهانه يترك اثراً سيئاً على الطفل ويمكن معاقبته بحرمانه من الاشياء المرغوبة لديه وتفادي تقديم اية اهانه او توبيخ للاطفال وخصوصاً امام الآخرين فهم شباب المستقبل، فلنحرص على ان تكون حياتهم خالية من الرواسب السلبية.


حوار الابناء في سن المراهقة

في سن المراهقة تبرز اهمية اسلوب الحوار بشكل واضح، فالمراهقون يتأثرون اكثر من غيرهم، وهذه المرحلة أخطر وأصعب مرحلة يمر بها الانسان في حياته ويحتاج فيها الابناء الى صداقة الابوين والاقتراب منهما وتحتاج المرحلة الى نشوء حوار وتفاهم بين الطرفين، ويحتاج كل من الشاب والشابة الى وقفة الأب والأم في هذه المرحلة الحساسة، موضحين لهم الكثير مما خفي عنهم في هذه المرحلة ويشرحان الحقائق الجسمية والعقلية، وما يترتب على كل منهم عند بلوغ هذا السن حتى يتسنى للمراهقين مواجهة الامر بكثير من الوعي والادراك واستصحاب الحقائق، وليس هناك ما يدعو للخجل والشعور بالعيب عند التحدث عن هذه المرحلة.. فالتساؤلات والمخاوف التي يواجهها ويطرحها المراهق اذا لم تجد تفسيراً من داخل الاسرة فانها ستبحث عنه خارج نطاق الاسرة الأمر الذي يحمل معه الكثير من المخاطر والتهديدات، التي قد تخلف آثاراً لاتحمد عقباها.وهناك اسلوب خاطئ من قبل الابوين في رد اولادهما خصوصا امام غيرهم كالضيوف مثلاً فعندما يخطئ الابناء باسلوب ما من غير قصد يلجأ احد الابوين الى اهانته والسخرية منه، وهذا دون شك يولد شعوراً بالاحباط فتخاف من مواجهة الضيوف تحسباً من تكرار ما حدث سابقاً مما عّده الوالدان خطأً وهو ليس كذلك، فيلجأون الى العزلة والانزواء ويتحاشون التواجد في اماكن التجمعات.


تجنب الانحراف

الحوار والتفاهم لابد ان يلازما علاقة الوالدين بابنائهم المراهقين خصوصاً وفي حالة وقوع احد الابناء في الخطأ فإن الحل المناسب هو التفاهم والقرب منه، واشعاره بان هذا السلوك خاطئ وان غايته السوء وعاقبته الهلاك وان السلوك الصحيح هو كذا وكذا.. والأم تحاول ان تفهم من ابنتها لماذا تصرفت هكذا؟ ومن كان وراء هذا التوجه.. وما الهدف؟ وما السبب.. وهل لصاحباتها دور في ذلك حتى تستطيع ان تبعدها عن صديقات السوء، وألا يقتصر قرب الأم من ابنتها على وقت وقوع الخطأ فحسب بل تكون معها بصفة مستمرة حتى تحس انها صديقتها وتأخذ كل ما يأتي من امها على انه هو الصواب وهو نابع من الحرص عليها وعلى مستقبلها، والثابت والمعروف ان القهر وغياب التفاهم والنصح يؤديان الى الانحراف.فمن هنا ندعو جميع الاسر الى استخدام اسلوب الحوار بأساليبه السلسة والمتنوعة في الاقناع بعيداً عن التجريح والإهانة والاستماع الى الاولاد عما يدور في خاطرهم لأن ذلك يسهم في بناء اسرة رصينة تعمل على بناء مجتمع سليم ودولة قوية، يعمها الأمن بعيداً عن الجريمة والارهاب.

تعليقات