شهر رمضان 00 التحرير بالأرادة وتربية الذات


 * ضياء العيداني

إن أحدى الاستعدادات التي يجب أن تنمى في الإنسان هي الإرادة، وإن من الخطأ ان يعد بعض الناس الإرادة من جملة الميول وان يتصوروا أن الإرادة هي الميل الشديد، بل ان المعنى الحقيقي هو إن الإرادة قوة أخرى في الإنسان ترتبط بعقل الإنسان، خلافاً للميل فانه يرتبط بطبيعة الإنسان، والميل هو من جنس الجاذبية أي أن الأشياء اللازمة والمرادة، تجذب الإنسان نحوها، وكلما يكون الميل شديداً، يسلب اختيار الإنسان بذلك المقدار، أي أن الإنسان تحت سيطرة قوة خارجة عنه، بعكس الإرادة التي هي قوة داخلية وباطنية، فالإنسان يخرج نفسه عن تأثير القوى الخارجية بواسطة الإرادة، فكلما تكون الإرادة أقوى يكون اختيار الإنسان أكثر ويمتلك نفسه وعمله ومصيره.
والعبادة من الأمور التي عدّت من استعداد الإنسان الخاص (على الأقل برأي بعض علماء النفس)، فهي التي تقوي الإرادة في الإنسان؛ فالصوم مثلاً يمثل عبادة تقوى فيه الإرادة، والصيام بما يتضمنه من جو ايماني وتهيؤ نفسي وذهني يمنح الانسان فرصة ذهبية للتدريب على التخلص من نقاط الضعف والسمات غير المرغوبة في الشخصية، وتحقيق شخصية اكثر اتزانا واقوى ارادة واكثر ثباتا واطمئنانا.
ان بعض علماء النفس يفرقون بين تنمية الارادة واعادة تربيتها.. بل ويفرقون في الطريقة بين توجيه الميول الوراثية المحددة للارادة وتصحيح الانحرافات التي تحدث في الارادة نتيجة سلبيات البيئة والتربية، فموضوع الارادة ايضا لم يعد مجرد كلمة خطابية للوعظ والتوجيه. يقول عالم النفس بول فولكييه في دراساته عن تدريب الارادة انه من الممكن تقوية ارادة الانسان وزيادة قدرته في السيطرة على نفسه وانفعالاته.. وهو يؤكد ما ذهبت اليه مدارس العلاج النفسي المعرفي وعلم البرمجة العصبية اللغوية الى ضرورة ان يضع الانسان نفسه في الشروط المناسبة لتوجهه الجديد، ونبذ السلوكيات القديمة، ويتفق هذا بالطبع مع تعديل الحوار الذاتي وما تقوله لنفسك طوال الوقت من عبارات وتوجيهات ايجابية بطرد الافكار الانهزامية وغرس المفاهيم الاخلاقية، وان تدعم قراراتك بالتغيير الفوري. اي ان تمتنع عن كل السلبيات وخير معين على ذلك هو الصوم نفسه لانك في النهاية صائم وفي موقف مجاهدة النفس ومقاومة الاهواء والشهوات، وإن الصوم وسيلة لتحرير الإنسان من عبودية الإنسان والعادات والشهوات، فمن تدرَّب على أن يمتنع- باختياره- عن شهواته وملذاته، ويصرُّ على الامتناع عنها؛ لا لشيء إلا طاعة لله، فلا بد أن تخرَّ أمامه الأهواء والعادات، ويشعر بالنصر عليها، فالمحرمات على الصائم شديدة الصلة بحياته اليومية، وذلك لتعميق الأثر في تربية الإرادة في نفسه لتجعله أقوى على ترويضها، والتحرُّر من سطوة الغريزة ومكايدها، ولتقوية عزيمته وشحذ همته، فالصوم يحدُّ من طغيان الجسد على الروح، والمادية على الإنسانية، والعبودية على الحرية، فإرادة الإنسان عندما تخضع لإرادة الله سبحانه وتعالى لا تذوب لتموت، وإنما تذوب لتحيا وتدوم، فكيف بإنسان انتصر على شهواته الحلال الضرورية أن ينهزم أمام شهوات حرام.
لذا يعدُّ الصيام من أكثر العبادات دعمًا للروح في الإنسان؛ لأن الصيام يضعف الشهوات ويزكي النفس من خلال الامساك عن الطعام والشراب، وبذلك يحقق الغاية في الارتقاء بروحه إلى مرتبة كمال الخشية من الله، وتمام الالتزام بما تقتضيه تلك العبادة من ضوابط وأخلاق وآداب.
 

تعليقات